يرحل شهر رمضان وأيامه المباركة، ولا تتوقف الطاعات؛ فإنها تبقى قبل أن تتغير النفوس وتتقلب القلوب، نحرص على الأعمال الصالحة وأعظمها تلاوة القرآن الكريم ونتمسك بها في سائر الأوقات وجميع الشهور، ولا نخصص لقراءته وختمه شهراً من السنة، ولكن نلازم قراءته طوال السنة ونجعله رفيقاً نستمر في تلاوته مع حضور القلب والعقل حتى لو كانت في فترة طويلة، فمن عاش مع القرآن وتدبر معانيه واطلع على تفاسيره كان صاحباً للقرآن فلا يهجره. قال أحد الصحابة: إني رجل سريع القراءة وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: لَإن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل. القارئ الواعي يعيش مع ألفاظ القرآن ويتدبر كلماته، فالقراءة لا تكون بكثرة الختمات والمنافسة على سرعة أدائها كواجبات، من يقرأ من القرآن الكريم صفحة بتأمل ينال نعمة كبيرة، قد لا ينالها من خَتمه ختَمات عدة بقلب متعلق بمشاغل الدنيا؛ فثواب قراءة التدبر أجل وأرفع قدراً. سُئل ابن القيم: أيهما أفضل ختم القرآن تدبرا مرة واحدة أم قراءة القرآن مرات عديدة لكن دون تدبر؟ أجاب بقوله: أيهما أفضل جوهرة ثمينة أو عشر جواهر تقل عنها في القيمةَ؟! ونأخذ من ذلك: تفضيل القراءة بالتدبر، ولو قلّت على القراءة الكثيرة من غير تدبر، وتنظيم الأوقات والاعتدال للحصول على ما يفيد القلوب والعقول، والوصول إلى الجوهرة الثمينة والأكثر قيمة. والقارئ يختار أفضل الأوقات للتركيز مع سكون النفس وصفاء الذهن؛ فلا تكون قراءة القرآن في ساعات تخص العمل، ولا مع المشاغل اليومية وحال التجمعات، ليتبدر ويفهم، قال الإمام النووي رحمه الله ان ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر، لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم، أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له... فهو بحسب القدرة الذهنية والوقت الأنسب للقارئ حتى يقرأ وينتفع. aalsenan@hotmail.com aaalsenan @
مشاركة :