مطلوب كوكبة جديدة من السياسيين السُّنة في لبنان

  • 6/12/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في مرحلة معينة، كنت أعتبر لبنان بمثابة وطني الثاني. كان من الوجهات المفضّلة لدي لقضاء العطلة، وكنت سعيدا جدا بالاستثمار في العاصمة اللبنانية التي اعتبرت أنها تتمتع بإمكانات هائلة. كان ذلك قبل أن يتحول لبنان إلى دولة تدور في الفلك الإيراني وتختبئ خلف واجهة زائفة من الديمقراطية الطائفية. وعند النظر إلى الفوضى العارمة التي يتخبط فيها لبنان اليوم أشعر بالحنين إلى الذكريات الرائعة، وأدعو الله عزّ وجل من أجل التوصل إلى حل يسمح بالتخلص من قبضة «حزب الله». أشعر بخيبة أمل شديدة عندما أرى أن المعارضة، ولا سيما الأحزاب السنية، استسلمت على ما يبدو وتخلت عن دورها الريادي. كان يسود توازنٌ دقيق في النفوذ السياسي لكل من السنّة والشيعة الذين يشكّلون مجتمعين نحو 52 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم قرابة الـ6.9 ملايين نسمة. لا تتوافر إحصاءات ديمغرافية دقيقة، إذ لم يُجرَ إحصاء سكّاني منذ عام 1932، لأن المسألة تُعتبَر شديدة الحساسية، ولكن من المؤكّد أن مليشيا «حزب الله» الشيعية تحكم قبضتها، بمساعدة بعض المتواطئين من المسيحيين والدروز. لسوء الحظ، لقد رضخت القيادة السنية الحالية للترهيب من «حزب الله»، عميل وذراع إيران المسلّح الذي صنّفته الولايات المتحدة والعالم في خانة التنظيمات الإرهابية، إلى درجة تراجع معها الدور الذي كانت هذه القيادة تؤدّيه في الحفاظ على أمن لبنان ونموه الاقتصادي فضلا عن الدفاع عن مصالح الطائفة السنّية التي تُعتبَر من الطوائف الأساسية في لبنان. وبدلا من اتخاذ القرار، باتت هذه القيادة راضخة ومذعنة تعمل وفقا للمبدأ القائل «إذا كنت عاجزا عن التغلب عليهم، فانضم إليهم». يفتقر القادة السنّة، وسواهم، إلى الشجاعة لتغيير المعادلة، والسبب هو أنهم يخشون من اختلال الموازين. يدّعون أنهم يقاومون إملاءات حسن نصر الله، وغالبا ما يحاولون تعطيل التشريعات البرلمانية التي لا يوافقون عليها، لكنهم سرعان ما يرضخون لمطالب الحزب وحليفه السياسي، حركة «أمل» بقيادة نبيه بري. وبعد 29 شهرا شهدت صراعا وليّا للأذرع وعانت البلاد خلالها من الركود، تمكّن «حزب الله» عام 2016 من تنصيب ميشال عون رئيسا للجمهورية ووافق على تسمية سعد الحريري رئيسا للوزراء ليعود فيضع العراقيل أمام مساعيه لتشكيل الحكومة. لم يكتفِ الحزب باختيار رئيس الجمهورية، بل تعدّى أيضا على صلاحيات رئيس الوزراء. العام الماضي، وصف الحريري نفسه بـ«أب السنّة» في لبنان، ولكن استحقاقه لهذا اللقب موضع نقاش. كان والده رفيق الحريري الذي اغتالته أيادي الغدر التابعة لحزب الله وشركائه، وفق ما توصلت إليه محكمة دولية خاصة تابعة للأمم المتحدة، شخصية محترمة على نطاق واسع ورئيسا مرموقا لمجلس الوزراء اللبناني. شارك في المفاوضات التي أسفرت عن توقيع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية التي استمرت 17 عاما وشلّت البلاد، وأسفرت عن مقتل أكثر من 120000 مواطن لبناني. وعندما ساد الأمن والسلام في البلاد، بدأ الحريري الأب العمل على إعادة إعمار العاصمة اللبنانية، فاستعاد وسط بيروت مجده السابق، وانتعش الاقتصاد اللبناني من جديد عبر استقطاب الاستثمارات الخارجية. كنت على معرفة شخصية به، كان صاحب شخصية فذة ويتمتع بقوة وصلابة على المستوى الشخصي. يؤسفني أنه لا يمكن قول الشيء نفسه عن نجله. فقد وافق رئيس الوزراء سعد الحريري مؤخرا على «حق» حزب الله في الاحتفاظ بسلاحه. مما لا شك فيه أنه لا يملك خيارا واسعا، ولكن ما الذي جعله يعلن على الملأ أن للتنظيم الإرهابي حرية الاحتفاظ بترسانته الخاصة؟ يتفشى الفساد في ظل رئاسته للحكومة، ويتهاوى الاقتصاد تحت وطأة الديون الطائلة. وتُطبَّق موازنة تقشفية قائمة على إجراء خفض في المنافع والمستحقات، وفي الخدمات العامة والأجور، ما أثار احتجاجات لدى شرائح واسعة من اللبنانيين الشهر الفائت، وغالب الظن أن أعداد المحتجين ستزداد كثيرا عندما يشعر المواطنون بوطأة الإجراءات. يعتبر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط نفسه صانع ملوك ويدّعي لنفسه وزنا أكبر مما هو عليه بالفعل. يتكيف مع الظروف والمستجدات، ويُبدّل عباءته وفقا لتبدُّل المعطيات. قال مؤخرا ردا على سؤال عن علاقته بـ«حزب الله»: «نعتبر أن الحزب قوّة أساسية في لبنان، سياسية وعسكرية طبعا...». يمتنع جنبلاط، شأنه في ذلك شأن معظم القادة اللبنانيين أيا كان انتماؤهم الطائفي، عن توجيه انتقادات علنية إلى «حزب الله». لبنان الآن في حالة يرثى لها، ويكفي أن تطفو الانقسامات المذهبية المتجددة إلى السطح من جديد لكي تقع البلاد في الهاوية. الأسبوع الماضي، قام إرهابي سُجِن سابقا لارتباطه بتنظيم «داعش» بإطلاق النار على الجيش وقوى الأمن في طرابلس، ما أسفر عن مقتل أربعة عناصر. وفي الوقت نفسه، نزلت إلى الشارع عائلات من طرابلس أوقِف أبناؤها خلال احتجاجات الضنية قبل بضع سنوات، للمطالبة برفع الظلم عن أبنائهم المعتقلين من خلال سرعة تقديمهم للمحاكمة وإعمال العدالة. وفجأةً أطل جنبلاط بتصريح استفزازي دافع فيه عن السنّة في لبنان من دون أي مسوّغ لما أقدم عليه. لم يتهجّم أحد على السنّة أو يربطهم بالإرهابيين، لكن جنبلاط أعطى انطباعا وكأن الطائفة السنّية بحاجة إليه لكي يهبّ لنصرتها والدفاع عنها. في الواقع، لم تظهر توترات بين السنّة وسائر الطوائف التي يتكوّن منها النسيج المذهبي المعقد في لبنان، لكن جنبلاط بمواقفه هذه يبدو كأنه انتهز الفرصة لإثارة هذه التوترات وإذكائها. فقد غرّد عبر موقع «تويتر»: «كفى تعميم نظريات الحقد والكراهية تجاه السنة. إن الإرهاب لا دين له ولا هوية، ومحاربته تكون في رفع الظلم عن الموقوفين ومحاكمتهم وإنصافهم». غياب القيادة القوية يجعل السنّة طريدة سهلة. لذلك أناشد اللبنانيين التحرك لاستبدال الحرس القديم الفاشل. يجب أن ينكفئ هؤلاء ويحل مكانهم قادةٌ يضعون مصلحة البلاد فوق كل اعتبار؛ قادةٌ من طينة رؤساء الوزراء السابقين رياض الصلح وصائب سلام ورفيق الحريري الذين كان ولاؤهم لوطنهم مطلقا ورفعوا لواء الدفاع عن السنّة والمسيحيين والشيعة وكل من يفتخر بانتمائه اللبناني.

مشاركة :