تسارعت خطوات الرباط لوضع أسس مستدامة لمواجهة استنزاف الثروة السمكية في البحر المتوسط في أعقاب تصاعد تحذيرات الخبراء من المخاطر المحدقة بمستقبل هذا القطاع الاستراتيجي لدول المنطقة. وتتقاسم الحكومات ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) والهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط والعاملون بالقطاع والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني هاجس تعزيز استدامة مصايد الأسماك. وتتسلح السلطات المغربية بحزمة مبادرات مع شركائها في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا وشرق المتوسط وبالشراكة مع المنظمات الدولية من أجل الدخول بشكل أسرع في ثورة استزراع الأسماك، وبالتالي تنمية الاقتصاد الأزرق. ويقول خبراء إن دعم تطوير مجال استزراع الأسماك وتشجيع الاستثمار فيه وزيادة الالتزام بمنع الصيد العشوائي خلال فترات تكاثر الأسماك وتلبية الطلب المتزايد خلال الموسم السياحي، كلها عوامل ستساعد دول المنطقة على تعزيز عوائدها. وأكد وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، خلال افتتاح فعاليات أعمال الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط في مراكش على ضرورة تعزيز الحفاظ على الموارد السمكية لضمان تنمية مستدامة لاقتصادات المنطقة. ويأتي الاجتماع لتجديد الالتزام بمضامين مبادرات “ميدفيش فور إيفير” الموقعة في عام 2017 من طرف 16 دولة بحوض المتوسط وتعزيز الحوار لضمان استدامة الصيد البحري على المدى الطويل من الناحية البيئية والاقتصادية والاجتماعية. ونسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى أخنوش قوله إن “تحقيق هذا الهدف يأتي عبر المساهمة في تنمية المجتمعات الساحلية، التي يتعيّن عليها الاضطلاع بدور هام في جهود جمع البيانات والبحث الجماعي”.وشدد على أن المخزونات السمكية في البحر المتوسط بدأت تتضاءل، مشيرا إلى أن التداعيات السلبية على مجتمعات دول المنطقة وخاصة ممن يمارسون مهنة الصيد، الناجمة عن هذا الوضع، تشكل “مصدر قلق” للحكومات. وبالإضافة إلى التلوث وتأثيرات التغيرات المناخية، فإن أخنوش يرى أن الاستغلال المفرط للموارد السمكية يشكل أيضا مصدرا لهذا التدهور، لاسيما عندما تتم ممارسته بطريقة غير قانونية وغير مصرّح بها وغير منظّمة. وحذرت العديد من الدراسة الدولية وخاصة تلك الصادرة عن منظمة الفاو من التراجع الكبير في كميات الأسماك في البحر المتوسط نتيجة النشاط المفرط لعمليات الصيد. وتؤكد معظم تلك الدراسات أن كميات الأسماك، التي تم صيدها منذ 1990 شهدت تزايدا كبيرا خاصة الأسماك الصغيرة، وهو ما ينذر بالخطر بسبب التغييرات المحتملة التي قد تطرأ مستقبلا مع استمرار الصيد العشوائي. ومن هذا المنطلق، اختار المغرب اعتماد استراتيجية قوية ومندمجة لضمان حوكمة ثرواته السمكية تتمثل في استراتيجية “أليوتيس″ التي حققت بعد 10 سنوات من اعتمادها تقدما ملحوظا، كما أن الآفاق المستقبلية لهذا القطاع تظل واعدة. واتسعت خلال السنوات الأخيرة مؤشرات انتعاش قطاع الصيد البحري المغربي ليصبح من أبرز محركات معالجة البطالة وتعزيز آفاق النمو المستدام، في ظل تنامي الصادرات بفضل الحوافز الحكومية لأهل المهنة في إطار تلك الاستراتيجية. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن حجم إنتاج الأسماك يوازي في الوقت الحالي معدل نمو سنوي يبلغ نحو 2.3 بالمئة خلال الفترة 2010-2018. وحقق القطاع من خلال سلسلة الإنتاج عوائد تقدر بنحو 1.1 مليار دولار، بينما المستهدف بحلول العام المقبل يبلغ 2.3 مليار دولار سنويا. وكانت الرباط قد أطلقت إلى جانب عدد من الشركاء، مبادرة مناخية أطلق عليها اسم “الحزام الأزرق” تهدف إلى الاستجابة بشكل ملموس للرهانات والتحديات ذات الصلة باستدامة الصيد البحري وتربية الأحياء المائية بقارة أفريقيا وحوض المتوسط. ويراهن المغرب بشكل كبير على دعم المفوضية الأوروبية ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة والهيئة العامة لمصايد أسماك البحر المتوسط لفائدة التنمية المستدامة للصيد، لاسيما في شقه التقليدي، بهدف الإسهام في تعزيز الأمن الغذائي ومحاربة الفقر في حوض المتوسط. ووضعت الحكومات المغربية المتعاقبة منذ سنوات التنمية المستدامة صلب أولوياتها بعد المصادقة على سلسلة طويلة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذه المشكلة مع اعتماد برامج عمل وطنية في هذا المجال تهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والتضامن الاجتماعي. وأظهر تقرير نشرته منظمة الفاو في ديسمبر الماضي أن كميات الأسماك، التي تم اصطيادها في 2016 من البحر المتوسط تصل إلى قرابة 830 ألف طن. وأشارت البيانات إلى أنه تم التخلص من حوالي 230 ألف طن من أسماك البحر المتوسط، وهو ما يشكل 18 بالمئة من مجموع المصائد. وتعتبر استدامة مصائد الأسماك من بين القضايا التي تؤرق جميع مناطق العالم، حسب أخنوش، الذي قال في وقت سابق إن “الوضع الحالي يحتاج إلى المزيد من العمل من أجل حماية النظم الإيكولوجية الأرضية والبحرية”.
مشاركة :