حرص محمد بخاري وهو جالس أمام التلفزيون يشاهد الأنباء تترى عن فوزه في انتخابات الرئاسة على التقاط صور له وقد جلس على أحد جانبيه شيخ مسلم وعلى الجانب الآخر أسقف مسيحي فيما يمثل إعلانا للوحدة في مجتمع متباين الأديان. والأمر الأهم للمستثمرين وقف خلف الأسقف ذي العباءة القرمزية رجل يبتسم وهو يرتدي بذلة رمادية أنيقة هو أليكو دانجوتي أبرز رجال الأعمال في نيجيريا وأغنى أغنياء أفريقيا. وبخاري حاكم عسكري سابق اشتهر بالتقشف وقد حقق فوزه المذهل في الانتخابات على وعود بتطهير نيجيريا من الفساد المعروف عن عالم السياسة فيها وبالتشدد مع حركة التمرد التي تشنها جماعة بوكو حرام في شمال شرق البلاد. وعاود بخاري الحديث عن هذه الأفكار في أول خطاب رسمي له كرئيس منتخب فشدد على ضرورة عدم التهاون في محاربة الفساد وقال إنه لن يألو جهدا في العمل على هزيمة المتشددين الاسلاميين الذين قتلوا الالاف في الشمال الشرقي. ويكتنف بعض الغموض ما يعنيه فوزه في الانتخابات للاقتصاد النيجيري أكبر اقتصاد في القارة الافريقية والذي يتعرض لضغوط جراء انخفاض أسعار النفط لكن ابتسامة دانجوتي توحي بالاطمئنان لوجود ممثل لأصحاب رأس المال في الدائرة المقربة من بخاري جنرال الجيش المتشقف في لحظة انتصاره. وفيما يمثل أوضح مباركة لفوز بخاري وارتياحا لانتهاء الانتخابات دون ما شهدته انتخابات سابقة من أعمال عنف ارتفعت سوق الاسهم بما يتجاوز ثمانية في المئة عقب إعلان فوزه بالرئاسة. كما ارتفعت السندات بينما زادت العملة النيجيرية النايرا بنسبة 0.5 في المئة في السوق السوداء إلى 217 مقابل الدولار بعد أن كانت قد فقدت 20 في المئة من قوتها الشرائية في عمليتي تخفيض لقيمتها منذ نوفمبر تشرين الثاني الماضي. وظل السعر الرسمي فيما بين البنوك ثابتا على 197 نايرا للدولار. * "البخارية الجديدة" وليس معنى هذا أن كل شيء على مايرام للرئيس الجديد البالغ من العمر 72 عاما وكانت آخر مرة تولى فيها منصبا عاما في منتصف الثمانينات عندما حكم البلاد كدكتاتور عسكري لمدة 20 شهرا. وفي ذلك الوقت كان رده على ارتفاع كبير في العجز التجاري وجموح التضخم تثبيت الاسعار وحظر استيراد السلع غير الضرورية بدلا من السماح بانخفاض قيمة العملة وذلك في ظل برنامج اقتصادي مفجع أطلق عليه اسم "البخارية". كما قطع العلاقات مع صندوق النقد الدولي وأمر جنوده بضرب من لا يقفون بنظام في الطوابير عند محطات الحافلات بالسياط. ومنذ ذلك الحين لانت آراء بخاري السياسية وتشير علاقته برجل الأعمال دانجوتي إلى ما طرأ على آرائه الاقتصادية أيضا من تغير. لكنه يواجه غيوما داكنة كثيرة تتجمع في الأفق. فمن الرئيس جودلاك جوناثان الذي أذهل مواطنيه البالغ عددهم 170 مليون نسمة بخطاب اتسم باللباقة أبدى فيه اعترافه بنتيجة الانتخابات سيرث بخاري اقتصادا تتراجع نسبة النمو فيه بوتيرة سريعة عن مستوى النمو السنوي البالغ سبعة في المئة الذي اعتادت عليه البلاد. وقبل أسبوعين من الانتخابات خفضت مؤسسة ستاندرد آند بوزر للتصنيفات الائتمانية تصنيف نيجيريا كما خفضت مؤسسة فيتش توقعاتها للتصنيف عشية الانتخابات وهو ما سيرفع كلفة الاقتراض على نيجيريا. من ناحية أخرى انخفضت أسعار النفط إلى نحو 55 دولارا للبرميل أي نصف المستوى الذي كانت عليه قبل عام فيما يمثل لطمة هائلة للبلاد التي تعتمد على مبيعات النفط الخام في تحقيق 80 في المئة من الايرادات الحكومية و95 في المئة من الدخل بالعملات الأجنبية. وخارج العاصمة أصبحت مشروعات ضخمة لشق الطرق مهجورة وتقف رافعات البناء خاملة شاهدة على قطاع التشييد والبناء الذي تقلص حجمه بسبب ما تواجهه الحكومة من صعوبات في سداد التزاماتها. وانخفضت الاحتياطيات الخارجية بمقدار الثلث في العام الأخير لتقل عن 30 مليار دولار. ويقول محللون إنه لن يكون أمام بخاري خيار سوى خفض الانفاق. وقال جان دن رئيس الأبحاث بمجموعة آشمور التي تتولى إدارة استثمارات في الأسواق الناشئة "عمدت نيجيريا إلى إرجاء تعديل مهم حقا على مستوى الاقتصاد الكلي بسبب حساسية الناخبين. وهذا أمر في غاية الأهمية للمستثمرين." * "أهون الضررين" من الناحية العملية يعني ذلك خفض الانفاق الحكومي وشن حملة شديدة على الفساد الذي يكتنف كل جوانب الحياة والسماح للنايرا بالانخفاض للوصول إلى مستوى مستقر بما يوقف النزيف المستمر لاحتياطيات البنك المركزي بالدولار. وقالت كلوديا كاليتش مديرة صناديق السندات بالأسواق الناشئة لدى إم آند جي انفستمنتس في لندن "العملة مازالت تحتاج لتعديل لأخذ أسعار النفط المنخفضة في الاعتبار. ومن الأفضل أن يسرعوا في انجاز ذلك الأمر." وقال آخرون إن بخاري قد يضطر لأخذ خطوة مكروهة تتمثل في رفع الضرائب لسد العجز في الايرادات النفطية. وقالت ايفون مهانجو الخبيرة الاقتصادية لدى رينيسانس كابيتال في جوهانسبرج "نتوقع إدارة إصلاحية تفرض سياسات تقشفية. فالموارد المالية المحدودة تشير إلى احتمال زيادة الضرائب." ومن جانب آخر سيدقق النيجيريون الذين اكتشفوا للمرة الأولى سطوة صندوق الانتخاب في كل تصرفاته مطالبين بتحقيق نتائج خاصة أن التصويت كان في كثير من الأحيان اعتراضا على جوناثان أكثر منه تأييدا صريحا لبخاري. وفي افتتاحية قاسية النقد بمجلة الايكونوميست لن تمر دون أن يلحظها كثير من النيجيريين أبدت المجلة قبولها على مضض لاختيار بخاري رئيسا باعتباره "أهون الضررين". وقال المحلل السياسي أبون أولو ادجبوروا "ليس الأمر أن الناس تحب بخاري. بل أنهم ملوا الركود وانعدام الحركة... الناس سيصلبونه إذا عجز عن الإنجاز."
مشاركة :