في الوقت الذي تصعّد فيه الإدارة الأميركية ضد حزب الله ضمن استراتيجية مواجهة إيران، يوجه الخبراء زاوية الاهتمام إلى ذراع أخرى لا تقل أهمية، والمتمثلة في الحوثيين (جماعة أنصار الله)، مشيرين إلى أن هناك عددا متزايدا من الدلائل على أن طهران ترى في المتمردين الحوثيين باليمن وكيلها الإقليمي المفضل في المواجهة المتصاعدة مع الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة المملكة العربية السعودية. وتذهب المحللة السياسية في صحيفة مجلة فورين افيزر أنشار فوهرا إلى حد القول إن إيران أوكلت للحوثيين مهمة القيام بـ”أعمالها القذرة”، مع تصاعد التوترات مع واشنطن وفشل مخططاتها في تعديل كفة ميزان القوى في المنطقة لصالحها على حساب السعودية. لا تتواني إيران عن تحريك وكلائها في المنطقة، وفي هذه المرة هم الحوثيون، لإيصال رسالة بأن الدفع باتجاه حرب ضدها مغامرة لن تكون محمودة العواقب؛ فهي تستطيع توجيه ضربات مؤلمة لـ”الداخل السعودي” عبر وكلائها. وتؤكد أنشار فوهرا أن توقيت الهجمات الأخيرة يشير بقوة إلى أنها قد تمت بناء على طلب إيران. في هذه المرحلة من الصراع، اكتشفت طهران أن حزب الله، الذي يقوم بتدريب الحوثيين، غير قادر على القيام بالمهمة، حيث يتطلب الصراع مواجهة “مباشرة” ولكن بأياد غير إيرانية، ولا تعتمد على استراتيجية التفجيرات، التي تميز بها حزب الله في السابق، ولا على التصعيد ضد إسرائيل. كما تتفهم إيران المخاطر التي ينطوي عليها استخدام حزب الله في الصراع الحالي مع الولايات المتحدة، ومن المؤكد أنه سيتسبب في حرب إقليمية أوسع. الهدف المباشر اليوم هو السعودية، والحرب في اليمن؛ خاصرتها الجنوبية، والحوثيون جزء من هذه الحرب وسلاحهم “مبرّر” لذلك يُعتبرون الذراع الفضلى لتوجيه الضربات. وما حصل مؤخرا من تصعيد يأتي في سياق هذه المهمة التي بدأت منذ سقوط نظام علي عبدالله صالح في 2011، ووصلت إلى ذروتها مع إطلاق السعودية لعاصفة الحزم في اليمن في 2015. في مارس 2015، أثبتت السعودية قيادتها للمنطقة، حين نجحت في تكوين تحالف عسكري عربي لاستعادة الشرعية بعد انقلاب الحوثيين. ويوما بعد يوم يحقق التحالف تقدما ملحوظا يقابله تصعيد من الحوثيين ضد السعودية ثم تطور ضد أهداف دولية، من خلال الهجوم على ناقلات النفط بالتزامن مع تهديدات من إيران لاستهداف مضيق هرمز. وفي رد تصعيدي على التقدم الذي يحققه التحالف العربي، من جهة، والضغط الذي تواجهه إيران من جهة أخرى كثّف الحوثيون هجماتهم الصاروخية، ونوعوا من أهدافهم، وذلك لكسب الوقت وإطالة أمد الحرب من ناحية، وللظهور بمظهر القوي من ناحية أخرى. استهدف الحوثيون أراضي السعودية، في مرات عديدة، عبر قصف صاروخي عشوائي كان غالبا ما يخطئ هدفه أو يتم اعتراضه عبر منظومة الدفاع الجوي الأميركية باتريوت، وشهد مستوى الاستهداف تطورا نوعيا عدّه خبراء “حربا نفسية” و”محاولة حوثية لتغيير معادلة الصراع″. حرب نفسيةاستهدف الحوثيون مطار أبها السعودي بما زعموا أنه صاروخ من طراز كروز المتطور ما أوقع 26 إصابة في صفوف المدنيين، وذلك بعد أقل من شهر على قصفهم محطتين لضخ النفط في السعودية عبر طائرات مفخخة من دون طيار. ولا تنفصل الصورة عن التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة، بل تعد جزءا منها، في إطار السياسية الإيرانية لتوصيل الرسائل إلى الخصوم عبر الوكلاء في المنطقة، وهم الحوثيون هذه المرة، متوقعين ردا سعوديا حاسما يطال قيادات الحوثيين، وربما ضربة من القوات الأميركية تعيد الهيبة إليها في المنطقة، وتبعث برسالة تهديد حازمة لإيران. يرى مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي مقره القاهرة)، أن الحوثيين يخوضون حربا نفسية، عبر إرسال رسالة للسعودية بأنهم رقم لا يمكن إخراجه من المعادلة ويملكون آليات تجعل المنطقة في وضع مقلق. ويضيف، في تصريحات صحافية، أن الحوثيين أعلنوا عقب استهداف محطتي ضخ النفط في السعودية، في 14 مايو الماضي، أن ذلك الهجوم هو بداية لعمليات ستستهدف 300 هدف حيوي وعسكري في السعودية والإمارات واليمن، و”هذا يعني أنهم لديهم إصرار على استمرار عملياتهم ضد الداخل السعودي”. ويوضح غباشي أن “المحاولة الحوثية تستهدف تغيير آليات المواجهة ومعادلة الصراع وخلق قلق وترقب”، لكن نجاحها “يستدعي حالة حرب عسكرية، وهذا ليس مرشحا حتى في ضوء استمرار عمليات الاستهداف بين وقت وآخر”. ووفق مراقبين، فإن التصعيد الحوثي الأخير ضد السعودية هو جزء من المواجهة الأميركية الإيرانية التي تصاعدت في الأسابيع الأخيرة مع تشديد واشنطن الضغوط على إيران. ويوضح أستاذ العلاقات الدولية في مصر، طارق فهمي، أن المنطقة تعيش المرحلة الثانية من المواجهة الأميركية الإيرانية غير المباشرة وهي الحرب بالوكالة، واعتبر أنه من المبكر أن نتحدث عن حرب مباشرة من الطرفين. ويعتبر أن إصابة أكبر عدد من المدنيين هو هدف لجماعة الحوثي لإيصال رسائل بأنهم قادرون على الوصول إلى أهداف مدنية مؤثرة. وحتى 21 مايو الماضي، بلغ إجمالي عدد الصواريخ الباليستية التي أطلقتها ميليشيات “الحوثي على السعودية ودمرتها قوات الدفاع الجوي، 227 صاروخا باليستيا، فيما بلغ عدد القتلى حتى سبتمبر 2018 وفق وكالة الأنباء السعودية “112 مدنيا من الموطنين والمقيمين، وإصابة المئات”. لكن يعتقد فهمي أن الحوثيين لن يستطيعوا الصمود كثيرا، حيث الرد لن يكون سعوديا خالصا، وسيشمل على الأرجح ضربة أميركية ستؤثر على إدارة المشهد، كما بدا المجتمع الدولي يتحدث بخطاب واحد من حيث رفض الهجوم وتحميل الحوثيين وإيران، المسؤوليةومن بين المواقف اللافتة، الموقف البريطاني، حيث أعلن وزير الخارجية جيرمي هنت أن لندن ترى إيران مسؤولة عن الهجمات التي وقعت على ناقلتي النفط في خليج عمان. وقال هانت، إن “نقطة البداية تتمثل في أن نصدق وجهة نظر الولايات المتحدة في تحمل إيران مسؤولية الهجمات على ناقلتي نفط”. ويحمل تصريح هنت أهمية من كونه قد لقب مؤخرا بـ”محامي إيران”، وذلك إثر الهجوم الذي استهدف منشآت نفطية قبالة سواحل الإمارات؛ سعى هنت إلى تبرئة إيران من التصعيد وإلقاء المسؤولية على “خطأ غير مقصود” في الهجوم، وهو ما يلتقي تماما مع مساعي إيران للتملص من المسؤولية واتهام جهة مجهولة بها. لكن، اليوم، وبعد أن تأكدت مسؤولية إيران والحوثيين في الهجوم بطائرات دون طيار على منشآت نفطية قبالة ساحل الفجيرة، وبعد أن استهدف الحوثيون ناقلتي النفط في بحر عمان ومطار أبها السعودي، لم يعد هناك بد من الاعتراف بالتصعيد الخطير. واعترف بذات الأمر، وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، الذي ذهب إلى حد التصريح المباشر بأن إيران تشجع وتدعم الحوثيين عسكريا وذلك في أوضح توصيف فرنسي رسمي ومعلن لدور إيران في الحرب اليمنية. وأوضح لودريان في مقابلة مطولة مع مجلة “لو بوان”، أن “السبب الذي أدى إلى اشتعال الحرب في اليمن يعود للانقلاب العسكري الذي نفّذه الحوثيون في العام 2014 ضدّ حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي”، مضيفا أن “الحوثيين هم أول من بادر بإطلاق القذائف والصواريخ إلى داخل الأراضي السعودية”. وكانت بريطانيا وفرنسا، قد اتخذت مواقف منحازة لصالح إيران في ما يخص الاتفاق النووي. وتشير التصريحات الأخيرة، إلى أن هناك إعادة تقييم للأوضاع وتحركات وترتيبات جديدة قد تنتج عن تصعيد الموقف الدولي ضد إيران، وتوجه نحو تأييد ضرب الإدارة الأميركية لبعض المواقع الخاضعة لسيطرة الحوثي. 3 مسارات حول الرد السعودي المرتقب، توقع الخبير العسكري الأردني اللواء المتقاعد فايز الدويري هون، أنه سيكون عن طريق 3 مسارات، أولها سياسي عبر ذهاب الرياض إلى مجلس الأمن وحتى يكون للسعودية مرجعية أممية تساندها في ما ستقوم به”. وسيتم المسار الثاني عبر الرد الآني أي بمعنى توجيه ضربات تسمى بأهداف عقابية لمعاقبة الحوثي سواء إلى بعض الرؤوس السياسية إذا كانت معروفة العناوين أو المستودعات والعتاد. وسيكون المسار الثالث للرد عبر تصعيد عسكري أوسع والعودة من عاصفة الأمل إلى الحزم حيث يكون العمل العسكري أشمل..
مشاركة :