في منتصف العام الماضي قامت مؤسسة النقد بإجراء تعديلات في غاية الأهمية على التمويل الاستهلاكي تحت مسمى التمويل المسؤول والذي استحدث دراسة ائتمانية للمقترض يتم فيها حصر جميع الالتزامات التي يدفعها شهرياً ومنح التمويل على المتبقي من الراتب وهذا يساهم في الحد من التوسع في طلب التمويل من قبل الأفراد وإن تم فسيكون ضمن النطاق الذي لا يثقل كاهل المستفيد، وهذا يتزامن مع تسهيل الحصول على التمويل العقاري بالتعاون مع وزارة الاسكان التي تدعم المستفيدين بتحمل تكاليف التمويل أو جزء منه حسب دخل المستفيد وهذا يعزز تملك الأصول التي تهدف إليه مؤسسة النقد من خلال تمويل الأفراد، أما البنوك فإنها سوف تكون مضطرة إلى تغيير سياستها التسويقية والتحويل إلى التمويل العقاري بالرغم من أنها تفضل التمويل قصير الأجل للشركات أو متوسط الأجل مثل التمويل الاستهلاكي أما التمويل طويل الأجل ذو الفائدة الثابتة فإن البنوك لا تفضله في الغالب لأن احتمالية ارتفاع أسعار الفائدة على المدى الطويل قد يتسبب لها في خسائر انخفاض قيمة العائد من المنتج التمويلي، وكذلك تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة الذي ينطوي على مخاطر أعلى بكثير من تمويل الأفراد والشركات الكبيرة، وهذا القرار أيضاً يساهم في معالجة بعض السلبيات التي نشأت بسبب التوسع في التمويل الاستهلاكي منها أن سهولة الحصول على التمويل تنمي عادة سيئة عند الأفراد وهي شغف الاستهلاك وعدم القدرة على الادخار مستقبلاً والذي تتباه رؤية المملكة 2030 ويعتبر من الأهداف التي تركز على رفع نسبة الادخار لدى الأسر من 6 % إلى 11 % الجانب الآخر هو أن نمو محفظة التمويل الاستهلاكي لدى البنوك لا يشجعها على التوسع في تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة وكذلك التمويل العقاري، أما السلبية الأهم فإن دفع التمويل على منتجات استهلاكية مثل السيارات والأجهزة الالكترونية والسفر وغيرها في الغالب تنقل الأموال من الاقتصاد المحلي إلى الخارج وهذا يتسبب في تراجع فائض الميزان التجاري، مؤسسة النقد أصدرت عدة عقوبات على بعض البنوك لعدم الالتزام بضوابط التمويل المسؤول في بداية التطبيق وهذا ساهم بشكل واضح في تحول البنوك إلى التمويل العقاري لتغطية العجز في محافظهم التمويلية، وفي اعتقادي بأن النمو الكبير الذي حصل في منح التمويل العقاري خلال العام الحالي كان السبب الرئيس فيه هي تلك الإجراءات التي تبنتها مؤسسة النقد وقد أشار معالي وزير الإسكان إلى شيء من ذلك خلال منتدى منطقة مكة الاقتصادي حيث ذكر أن البنوك كانت تتحفظ في منح التمويل العقاري ولكن هذا العام ضخت مبالغ كبيرة جداً وساهمت في توفير المسكن للمواطنين ودعم برامج وزارة الإسكان وذكر أيضاً انها حققت أرقاماً أعلى بثلاثة أضعاف عن ما كان مخططاً له، وهذا الدعم الذي تقدمه وزارة الإسكان في غاية الأهمية حيث إن الاعتماد على صندوق التنمية العقارية لن يحقق هدف الحكومة بتملك المسكن حيث إن النمو السكاني في المملكة عالٍ جداً وعدد حالات الزواج سنوياً تزيد على 180 ألف حالة وهذا يتطلب توفير عدد مماثل سنوياً لتمكين الأسر الجديدة من السكن بأسعار إيجار مقبولة وبرامج الإسكان تدعم الأسر لتملك المساكن وإحلال الأسر الجديدة مكانهم، الأرقام التي تحققت على الأقل خلال العام الحالي مشجعة جداً ولوحظ أن هنالك نموا جيدا للعقارات السكنية سواء الشقق أو الفلل أو الأراضي السكنية والبناء عليها، وهذا الطلب المتزايد على العقارات السكنية ساهم في توقف الهبوط في أسعار العقار وخصوصاً تلك العقارات التي تقع ضمن النطاق العمراني ومتوقع أن ترتفع مستقبلاً من زيادة ضخ البنوك مبالغ جديدة للتمويل العقاري، ولكن من المهم جداً أن لا ترتفع العقارات السكنية إلى أرقام عالية تعيدنا للمربع الأول وهو عدم قدرة المواطن على تملك المسكن، وهذا الأمر يحتم على وزارة الإسكان التنبه له من خلال زيادة المعروض من الأراضي السكنية من خلال تفعيل رسوم الأراضي البيضاء وتحقيق التوازن بين العرض والطلب ومكافحة الاحتكار وتحويل الإيرادات التي تتحصل عليها إلى تطوير مواقع جديدة، وبلا شك فإن نجاح وزارة الإسكان في حلحلة مشكلة تملك المسكن من خلال برامجها المتعددة واضح حيث تم توفير عدد جيد من الخيارات والحلول التي تتناسب مع احتياجات الأسر ومازال الأمل معقوداً في الوزارة بإنهاء كل العقبات خلال الفترة القادمة ولعل خطة هذا العام 2019 تلبي شيئاً من ذلك حيث أعلنت الوزارة عن برنامج سكني 2019 والذي يتضمن خاصية اختيار المخطط السكني للأراضي المجانية من ضمن الحلول السكنية الجديدة التي توفرها وزارة الإسكان للمستفيدين، وذلك لتسهيل الحصول على المنتجات السكنية للمستحقين المخصص لهم منتج سكني مدعوم خلال العام الجاري، بعد أن تم الإعلان عن إجمالي مستحقي منتجات الدعم السكني والبالغ عددهم 200 ألف أسرة مستفيدة للعام الجاري، ولو نجحت الوزارة في تنفيذ الرقم المحدد فهذا يعني أن قوائم الانتظار سوف تتقلص كثيراً.
مشاركة :