شاكر نوري يتحدث عن روايته الجديدة "طائر القشلة"

  • 6/16/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يستوحي الروائي العراقي المقيم في الإمارات شاكر نوري روايته الجديدة “طائر القشلة” الصادرة عن دار المؤلف في بيروت، من حادثة خطف الميليشيات للفنّان المسرحي العراقي الشاب “كرار نوشي” في عام 2017 بتهمة أنه يُطيلُ شعرَه ويَصبغه بالأصفر ويرتدي الملابس الضيقة ويرقصُ على المسرح، وكان ينتمي إلى عائلة فقيرة تسكن في إحدى ضواحي بغداد المحرومة. وقد اتهم كونه يشكل أحد اتباع “الإيمو” الموضة الشبابية التي ظهرت في العراق وتم قتل نحو تسعين من اتباعها بصورة بشعة. “طائر القشلة” هي الرواية العاشرة في رصيد الروائي بعد “نافذة العنكبوت”، و”نزوة الموتى”، و”ديالاس بين يديه”، و”كلاب جلجامش”، و”المنطقة الخضراء”، و”شامان”، و”مجانين بوكا”، و”جحيم الرّاهب”، و”خاتون بغداد”. وفي هذا الحوار مع الروائي سألناه عن جوهر هذا الاستيحاء من الواقع الراهن، وهو الذي قام باستلهام المتخيل التاريخي في روايته السابقة “خاتون بغداد”، فقال إن “الرواية مُتخيَّلة عن حياته وعلاقته مع صديقته أصيل: تنسج الرواية انطلاقًا من قصة اغتياله حياة متخيّلة تجعله بطلها مع صديقة له كانتْ تُمثّل معه على المسرح اسمها أصيل”. وأضاف “تجري أحداث الرواية بالشكل التالي: عندما تقرأ صديقته أصيل ذات يوم إعلانا عن عرض مسرحي، فتذهب إلى المسرح، ومن خلال العرض تستعيد حياتها معه قبل أربعين عاما خلت، عندما كانت في العشرين وهو في السابعة والعشرين يقفان معًا على المسرح ذاتهوأوضح نوري “لم أكن أمتلك أي معلومات إضافية عن بطل الرواية الضحية كرار نوشي سوى أنه خُطف واغتيل غدرًا في بغداد، ورُميت جثته بعد التعذيب في إحدى مزابل العاصمة بغداد. ولكنني تخيلت حياته، وكل ما هو موجود عن حياته متخيّل إذ تخيلت أن لغدير، بطل الرواية، علاقات بالعديد من الشخصيات التي تعيش في الحي الثقافي في بغداد، شارع المتنبي وقشلة بغداد، وهو الذي يقيم مع بعضهم صداقات، وهم: المخرج المسرحي جواد العائد مِن فرنسا، وأستاذ الجماليات في كلية الفنون الذي يعجب بمحاضراته عن جماليات المسرح، والحلاق ريّان الذي يزوره باستمرار، وهُمام صاحب المكتبة الذي يشتري منه الكتب، وخالد الرسام الذي أصّر على تخليده بلوحة فنية، وعلاء الصحافي. يسهرون جميعًا عند المخرج جواد، الذي يمتلك شقة في شارع المتنبي. تُفاجأ شخصياتُ الرواية بخبر اغتيال الفنان غدير مِن قِبَل إحدى الميليشيات ورميه في واحد من مِكبّات النفايات”. وحول أثر اغتيال هذا الممثل الشاب على الشخصيات الأخرى، لفت نوري إلى أن الشخصيات الأخرى تعيش على إيقاع هذا الحدث، لكنها تتحطم بشكل أو بآخر بعد رحيله. وقال “نلاحظ في رواية ‘طائر القشلة’ أن مصائر الشخصيات تتحطم هي الأخرى”: فأستاذ الجماليات ”يُحال إلى التقاعد ويُقال من عمله” لأنه يبشّر بالأفكار الجمالية الجديدة. مَحل ريّان الحلاق يتم حرقه لأن زبائنه مِن شباب ”الإيمو” (الأنثويين: المتشبهين بالإناث) ومصيرهم القتل. علاء الصحافي يتم خطفه واغتياله لأنه يحاول الكشف عن الجناة. خالد الرسام يجد معرضه مخربًا لأن رسوماته تجسد جمال الجسد الرجولي. همام صاحب المكتبة يعيش مختفيًا عن الأنظار لأنه نشر كتابًا ممنوعًا وهو ”اعترافات هارب مِن الميليشيا”.. وأصيل صديقة الضحية لم تتزوج، وتبقى تتذكر حبيبَها الأول في شيخوختها كطائر جاء إلى حياتها واختفى. تُجسّدُ الرواية فكرةَ صراع الجمال والقبح. ورأى نوري أن “طائر القشلة” لا تندرج تحت الواقعية وقال “لا أعتقد أنها رواية واقعية، فالواقعية تغيّر مفهومها في الوقت الحاضر، فالخيال يمكن أن يكون واقعاً لأننا يمكن أن نصدّق حدوثه. وقد ألحّتْ عليّ هذه الرواية مِن أجل كتابتِها، إذ إن الرّوائي الحقيقي لا يكتبُ مِن الذاكرة فقط بل مِن الواقع، والواقعُ العراقيُ زاخرٌ بالأحداث، بل إنّه يتحدى الكاتب وأدواتِه، بل ويتجاوزُه أحيانًا، لذا نلجأ إلى الخيال”. وتدين “طائر القشلة” بجرأة اغتيال المختلفين في المجتمع العراقي، وخاصة انتشار موجة اغتيالات طالت الفنانين والكتّاب، وهو ما أكده نوري “هذا صحيح كان آخرها اغتيال الكاتب والروائي والأستاذ علاء مشذوب، وقبلها سبق وإن تم اغتيال موديلات عراقية نسائية. ولكن على الكاتب أن لا ينفصل عن واقعه، وأنا لصيق بالواقع العراقي رغم ابتعادي عنه، ربما هذه مزية في الكتابة عن بعد، وبحرية تامة. ولعلّ أصعبَ ما في العمل الروائي أن يكونَ البطلُ الذي نَكتبُ عنه، قد أراد أنْ يكتبها بنفسه، لكنّ أسرارَه دخلتِ القبرَ المُظلمَ، ثم يأتي الكاتبُ هنا ليَحُلَّ مَكانَه، ويفكَّ شيفرةَ هذه الأسرار”. ”.وأكد نوري أن الرواية تعبّر إلى حد بعيد عن الصراع السياسي الدائر في العراق حاليا “لكنه في الوقت نفسه، يمكنُني القولُ، إن هذا العمل هو العمل الذي طالما حلمتُ بكتابتِه، أي صراعُ الجمالِ والقُبحِ، وهذه الرواية أكبرُ تحدٍ لي، فبعدَ كتابة ‘خاتون بغداد’ عنِ المُتخيّل التاريخي، ها أنذا أكتبُ ‘طائر القشلة’ عن المُتخيّل الرّاهن، وكانتْ أمنيتي أنْ أكتبَها كَنوعٍ مِنْ قصصِ الأطفال التي يمكن أن تُروى للكبار، لأنّ إدراك الجمال فنٌّ لا يُجيدُه إلاّ الأطفال، وعند الكبار لا يتمُّ إلا بتراكُم الخِبرةِ والمَعرفة والوعي عندما يستخدمُ الكاتبُ مِصباحَه الكشّافَ ليُبصرَ مواطنَ الجمالِ وكواليسَه الغامضة”. الرواية أيضا تدور عن قتل البراءة وهو ما أكد عليه نوري “إنّ قَتْلَ هذا الجمال وهذه البراءة في وضح النهار، يجعلنا لا ننظرُ إلى هذا العالم كما كان قبلَ هذه الجريمة وبعدَها. كيف نُعيدُ للجمال الحياةَ مرة أخرى؟ هذه هي المسألة، ولا سبيلَ إلى ذلك سوى الرّواية، وما يُقالُ في الرّواية لا يُقال في أيّ فنٍّ آخر. إنّ إعادةَ تركيبِ الجمالِ الميّتِ شيءٌ مَهول، وقاسٍ، وجبّار، وفيه الكثيرُ مِنِ الألم، لأنّ الكاتبَ في هذه العملية الإبداعية يقتربُ مِن الله، ويسعى لإحيائهِا مِن العدم”. إن من يتتبع أعمال شاكر نوري يرى أن معظم رواياته مستوحاة من الواقع العراقي، لكنها تجنح نحو الخيال كما في رواياته “نافذة العنكبوت”، و”نزوة الموتى”، و”مجانين بوكا” و”جحيم الراهب” و”خاتون بغداد”، ويوضح في هذا الصدد “أجل بكل تأكيد، يمكنني القول إنني كلما كتبتُ روايةً جديدةً، تَخطرُ على ذهني مَقولةُ الكاتب اليوناني العظيم نيكوس كازنتزاكيس ‘إنّ الفنَّ يملكُ الحقّ، وليسَ الحقّ فقط، لا بل إنّ مِن واجبِه أنْ يُعيد كلّ شيء إلى جوهره. إنه يُغذي القصةَ، ثم يَختزلُها ببطءٍ، وبشكلٍ مًتألّق، ويُحيلُها إلى أسطورة’. هكذا أجدُ مع كازنتزاكيس جوهرَ الإبداع على مرّ العصور. فما بالُنا إذا كانتْ حياتُنا الماضية قائمةً على الأسطورة، وبلدُنا لا يتوقّفُ عن إنتاجها كلّ يوم، بل ويُجبرُنا على العيش في ظلّها حتى بعدَ قرون مِن ولادتها، لأنّ مجرى التاريخ واحدٌ، وإن اختلفَت شخوصُه وأبطالُه”. وحول دوافعه لاختيار عنوان “طائر القشلة” قال كونها “تقع أحداثها في معظمها في الحي الثقافي المتمثل في منطقة شارع المتنبي والقشلة، وفي القشلة يتجمع الشباب، وكانت الشخصية الرئيسية في الرواية تزور هذا المكان، وهو مكان تاريخي وتراثي والثكنة التي كان يحكم منها العثمانيون، وعادة ما تتجمع الطيور من دجلة في هذا المكان، وقد تخيلته طائراً من تلك الطيور التي تأتي وتختفي، وهو كذلك عاش قصيراً لأنه كان مغايراً لما يعيشه الآخرون، بل أراد أن يكون نفسه، ويعبّر عن ذاته ليس إلا، فكان جزاؤه الخطف والقتل لأن التعصب الديني العنيف تحول إلى إرهاب يهدد جميع المجتمعات، ومنها المجتمع العراقي، ومقاتلو ‘داعش’ ليسوا الإرهابيين الوحيدين لأن الإرهاب أصبح مشرعناً في المجتمع العراقي من خلال الميليشيات التي تخفي داعش تحت جلودها”.

مشاركة :