خاتون بغداد أول رواية تكتب عن مرأة أنكليزية كان لها دور كبير في تاريخ العراق، في محاولة لإنصافها دون قيود. العربوارد بدر السالم [نُشرفي2017/01/12، العدد: 10510، ص(14)] مس بيل صانعة الملوك بجدية سردية طافحة بالمعلومات التاريخية والوثائقية والشخصية يحاول المبدع شاكر نوري أن يعيد إلى الأذهان، سرديا ووثائقيا، صورة مس بيل، مستشارة المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس في العراق، في رواية جديدة أسماها “خاتون بغداد”، وهي كنية هذه المرأة المثيرة للجدل بالرغم من مرور وقت طويل على وفاتها وجلاء الاستعمار البريطاني، مثلما حاول بطرق متعددة أن يعيد لها الاعتبار كشخصية نسوية فريدة أسهمت في صناعة التاريخ العراقي المعاصر في العشرينات من القرن الماضي، ولعبت أدوارا مختلفة في ترتيب الحياة السياسية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. يسمونها خاتون بغداد وصانعة الملوك والمرأة القوية، ووصفها اللورد هاردنغ بأنها امرأة خارقة الذكاء ولها دماغ رجل، وهي امرأة مسكونة بالعمل والتحري والاستكشافات والسفر والمطالعة وحب الآثار وتدوين يومياتها أينما حلّت وارتحلت. والمس بيل شخصية معروفة على المستوى الشعبي في زمنها ودخلت المجتمع العراقي من أبوابه الواسعة، وكسّرت إيقاع التحفظ المستشري فيه بشجاعة وكانت تكلم الرجال وتجالسهم وترسم سياسة العراق بذكاء خارق، كما شاركت في تنصيب الملك فيصل ووجّهته في الكثير من المواقف. هذه الشخصية الفريدة والإشكالية حاول الروائي شاكر نوري أن يعيدها إلى واجهة القراءة بتدوير التاريخ، واستحضاره عبر مصدرية بحثية سِيَرية نعتقد بنجاحها إلى حد جيد وهي تلقي الضوء الكاشف على هذه المرأة التي كانت صانعة بشكل أو بآخر لتاريخ العراق المعاصر. ويبدو أنّ الرواية حاولت أن تعيد الاعتبار في سياقاتها المتتالية ومونتاجها السينمائي للمس بيل كونها بؤرة حدث مركزي تدور حولها الشخصيات الأخرى لتضيء جوانب من سيرتها وشخصيتها الاستثنائية، ثم تتوارى لتبقى المس بيل هي المهيمنة على أنساق السرد المتتابع كشخصية روائية وحيدة تنبثق من وجهات نظر متعددة سرديا ووثائقيا. ويبدو أن شاكر نوري عاينها في أكثر من موقف من عدسة سينمائية مركّزة في مونتاج سردي متلاحق بتعدد الأصوات المرافقة لصوتها السيري، لهذا بدت مس بيل كشخصية حقيقية مهيمنة كلية على السرد الروائي بعيدة عن أي خيال روائي يمكن للكاتب أن يطوّعه لملء فراغات متشابهة في سيرتها اليومية البغدادية، فبانت كل الشخصيات الأخرى في الرواية كشخصيات ثانوية وهامشية رافدة للمتن المس بيل وتقيم صِلاتها الوثائقية معها على أساس محوريتها السردية الطاغية على مجمل السرد. شخصية فريدة هذه رواية سِيرية تمتلك الكثير من شروط الفن السردي في ملامحها الشخصية، وهي رواية الشخصية الواحدة التي لا يمكن أن تكون هناك شخصيات أخرى مؤثرة غيرها بنظامها السِّيري الفردي الذي مثلته المس بيل صانعة السرد البغدادي في فترة الاستعمار البريطاني. وكونها الصوت المنفرد في هذه الملحمة، وجدنا الكثير من الأصوات الثانوية ما إن تظهر حتى تختفي لتتيح المجال إلى سيدة السرد في مونتاجات سينمائية صوتية ووثائقية تكشف معطيات اجتماعية وسياسية وعشائرية وملوكية وصراعات خفية ومعلنة، تستهدفها مرة وأخرى تستهدف غيرها في وضع سياسي كانت عليه أكثر من علامة استفهام وطنية. رواية الشخصية الواحدة تستدعي ضمير الأنا على نحو واسع، لكن شاكر نوري وزع الضمائر بطريقة مونتاجية سينمائية، مستفيدا من توزيع الأدوار على الكادر السردي القليل، ومستندا على جملة من الوثائق الحقيقية التي كتبتها خاتون بغداد أو مَن عاصرها في تلك الفترة، لكن صوت الأنا الواحد بضمير المتكلم كان هو الأنسب في مفاصل سردية كثيرة كانت فيها مس بيل إنسانة عاشقة لكنها فشلت في الحب مرتين فغادرت إلى الحياة بطريقتها الاستكشافية مبتعدة عن كل أثر رومانسي أربك حياتها وهي في سن الشباب الأول. خاتون بغداد أول رواية تُكتب عن هذه المرأة في محاولة لإنصافها من دون قيود سياسية واجتماعية، فالأثر الإبداعي يبقى في نهاية أمره خيالا مهمّا بالرغم من واقعيته الحقيقية المعروفة. :: اقرأ أيضاً قصص تونسية تغامر بالكلمات وراء أثر الفراشة رواية الشخصية الواحدة جوناثان رايت يفوز بجائزة سيف غباش بانيبال لترجمة الأدب العربي الجاسوسية تعود إلى الدراما العربية في الزئبق والظاهر
مشاركة :