إيران لا تملك سوى اللعب على حافة الهاوية

  • 6/17/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تصاعدت حدة التوترات بين إيران والعالم الخارجي منذ الهجوم الذي تعرضت له أربع ناقلات نفط في 12 مايو الماضي بالقرب من مضيق هرمز، والذي أعقبه هجوم على ناقلتين أخريين في 13 يونيو الجاري. وقد وقع الهجومان في خليج عمان، فيما يشتبه المجتمع الدولي أنها هجمات إيرانية تستهدف إمدادات النفط. وبعد الهجوم الثاني، حذرت رابطة الناقلات إنترتانكو من الأخطار التي تتعرض لها تجارة الطاقة العالمية. وقال باولو داميكو رئيس رابطة الناقلات “عقب هجومين على سفينتين هذا الصباح، أشعر بالقلق البالغ بشأن سلامة مرور أطقمنا عبر مضيق هرمز”. وأضاف “يجب أن نتذكر أن حوالي 30 بالمئة من النفط الخام (المنقول بحرا) في العالم يمر عبر المضيق (هرمز)، وإذا أصبحت المناطق البحرية غير آمنة، فإن الإمدادات للعالم الغربي بأكمله يمكن أن تتعرض للخطر”. وتعرّضت ناقلتا نفط نرويجية ويابانية الخميس لهجمات لم يحدّد مصدرها فيما كانتا تبحران قرب المضيق وهو ممر استراتيجي يعبره يوميا نحو ثلث إمدادات النفط العالمية المنقولة بحرا. وحمّلت واشنطن إيران مسؤولية الهجمات التي وقعت أثناء وجود رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في طهران لإجراء محادثات تهدف وفق قوله إلى تخفيف التوترات في المنطقة. وقال جيكوب بي.لارسن رئيس الأمن البحري في بيمكو (أكبر رابطة للنقل البحري الدولي في العالم)، إن الرابطة “ترى أن هذا تصعيد للوضع، ونحن على وشك أن نشهد حربا رغم عدم وجود أي نزاع مسلح فعلي، لذلك فإن التوترات مرتفعة للغاية”. وقد يبدو خطر الحرب مع إيران بعيدا بالنسبة للكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن تداعياته الإستراتيجية أصبحت واضحة للغاية بعد ساعات فقط من الهجوم الأخير. وأدى الخوف من حدوث المزيد من الهجمات وتوقف التصدير المستمر للنفط إلى زيادة السعر العالمي للنفط الخام بنسبة 4 بالمئة.ويقول أنتوني كوردسمان، أستاذ كرسي أرلين بورك في الإستراتيجية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي، إن إيران تستطيع استخدام قواتها البحرية أو الجوية أو الصاروخية أو جميعها أو وكلائها لمهاجمة السفن في الخليج، حول مضيق هرمز وفي خليج عمان خارج منطقة الخليج وفي مياه المحيط الهندي بالقرب من مضيق هرمز. وهي تهدد منذ وقت طويل بـ”إغلاق الخليج” عند مضيق هرمز، ولكن تدريباتها العسكرية تشمل نشر قوات الحرس الثوري الإيراني البحرية على نطاق واسع في الخليج وبالقرب منه. ويرى كوردسمان أن إيران ليست في حاجة لشن حرب كبيرة، فهي تستطيع القيام بهجمات منخفضة المستوى لا تؤدي بالضرورة لاستفزاز رد فعل أميركي أو عربي كبير، ولكنها قد تسبب زيادة مفاجئة في أسعار النفط. وهو ما يعتبر مساويا لحرب استنزاف. والناقلات بطبيعتها عرضة للصواريخ الصغيرة نسبيا المضادة للسفن والطائرات دون طيار، وهجمات الغواصات عميقة الغوص والقوارب الصغيرة التي يتم التحكم بها لاسلكيا والمحملة بالعبوات الناسفة. كما تستطيع إيران زراعة ألغام ”ذكية” في قاع مسارات الناقلات التي يمكنها أن تكتشف الناقلات الكبيرة وتستهدفها. وتعد هذه الوسائل من “الهجوم الهجين” يمكن تنفيذها بواسطة سفن فردية وسفن شراعية ليست جزءا من القوات المسلحة الإيرانية، والتي لا ترفع أعلاما إيرانية ولا يرتدي من يقومون بتشغيلها أي زى إيراني، والتي لا يمكن ربطها مباشرة بتصرفات تقوم بها الحكومة الإيرانية، لكن يمكن تشغيلها بواسطة وكلاء إيران في المنطقة مثل الحوثيين في اليمن. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأحد إنه على الرغم من أن إيران مسؤولة “بلا شك” عن الهجمات التي استهدفت ناقلتين الأسبوع الماضي، إلا أن الولايات المتحدة لا تريد حربا مع طهران، مشيرا إلى أن الوكالات الاستخباراتية تمتلك بيانات وأدلة كثيرة على ضلوع إيران في هجمات الناقلتين في الخليج. وسبق أن صرحت الخارجية الأميركية بأن الولايات المتحدة أجرت تقييما للهجوم الأخير الذي تعرضت له الناقلتان، وخلصت إلى أن إيران هي التي ارتكبته، فيما نفت الحكومة الإيرانية تورطها في الهجوم. وردا على ذلك، بثت القيادة المركزية الأميركية مقطع فيديو يظهر قارب دورية إيرانيا يقوم بإزالة لغم لم ينفجر من بدن إحدى الناقلتين. ورغم التصعيد الأميركي تجاه الهجمات الإيرانية، فإن خبراء ومحللين سياسيين يستبعدون أن تمر واشنطن إلى خطوات عملية للرد على التحدي الذي يمثله الحرس الثوري والخلايا التي كلفها بمهمة إرباك حركة تصدير النفط كرد مباشر على العقوبات الأميركية التي استهدفت منع طهران من تصدير نفطها. ويشير جون الترمان، نائب رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ومدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز، إلى أن سبب احتمال قيام إيران بهذا العمل يمكن أن يكون منطقيا، خاصة أن الهجمات كانت محسوبة نسبيا ولم تسفر عن سقوط ضحايا. ويعتقد أن إيران تسعى لطريقة ما لبدء المباحثات مع الولايات المتحدة من موقف أقصى حد للقوة. فالإيرانيون يشاركون في المفاوضات في الغالب ليس باتباع سلوك جيد، وإنما باتباع سلوك سيء. وهو نوع من سياسة حافة الهاوية، فهم يريدون أن يشعر العالم بالقلق وأن هناك حاجة ملحة لأن تبدأ الولايات المتحدة وإيران في إجراء محادثات. غراف وأكد الترمان أن لدى الولايات المتحدة أجندة أكثر طموحا لمحاولة ترويض السلوك الإيراني، ولكنه لا يعرف كيف يمكن الوصول إلى نقطة اتخاذ الإيرانيين قرار التصرف بنحو جيد لأنه يعتقد أن الإيرانيين أقنعوا أنفسهم بأن السلوك الأفضل، دون الحصول على مقابل، يعتبر دلالة على الاستسلام. ويخشى الإيرانيون ألا يؤدي السلوك الأفضل إلى إنهاء العداء الأميركي تجاه إيران، لإصرار النظام الإيراني على نشر الفوضى وتبني دور تخريبي غايته تقويض استقرار المنطقة. ومن الواضح أن هناك قلقا بالغا من أن يتحول هذا الصراع حول الهجوم على الناقلات إلى حرب حقيقية بما تحمله من تداعيات بالنسبة للعالم برمته وبصفة خاصة في نزاعات المنطقة. وهذا الأمر سيعرض الجنود والبحارة الأميركيين للخطر. وسيكون من الخطر تأثير هذا الصراع على الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الهش بالفعل في العراق، وأي صراع أميركي إيراني في العراق لن يخدم المصالح الأميركية. ويستنتج الترمان أنه من الأفضل أن تتحدث الولايات المتحدة مع الإيرانيين، ليس لأنها تحبهم أو تثق بهم، لكن التحدث سوف يوفر مسارا لاحتياجات الولايات المتحدة. وعلى الرغم من وجود الكثير من الوسطاء، هناك فائدة وراء التحدث مباشرة مع الإيرانيين ووضع الحدود، وتقديم الحوافز والكوابح، ودفعهم نحو السلوك الأكثر توافقا مع المصالح الأميركية. وتحاول الإدارة الأميركية تحديد إستراتيجيتها حيال إيران، لكنها تبدو منقسمة بين صقورها المتشددين والرئيس دونالد ترامب الذي يخشى إغراق بلده في حرب أخرى بلا نهاية حول خيارات الرد بين ضبط النفس وتشديد العقوبات أو التفاوض، كما بدا من بعض ردود فعلها على التطورات الأخيرة في خليج عمان.

مشاركة :