أظهرت بيانات رسمية حديثة أن العوائد السياحية وتحويلات المغتربين في الأردن ارتفعت بنهاية الثلث الأول من العام الجاري، في دليل على نجاح السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة رغم كل الظروف الصعبة. وتعتقد الأوساط الاقتصادية أن هذه الأموال سوف تمنح عمّان مجالا لالتقاط أنفاسها وسط كومة الأزمات، التي تواجهها في طريق تنفيذ برنامجها لإصلاح الاقتصاد. وحقق هذان المحركان إيرادات إجمالية اقتربت من حاجز الثلاثة مليارات دولار في الفترة الممتدة بين شهري يناير وأبريل من عام 2019. وتشير بيانات البنك المركزي إلى أن إيرادات قطاع السياحة ارتفعت بنسبة 6.1 بالمئة، لتبلغ 1.2 مليار دينار (1.74 مليار دولار)، مقارنة مع 1.64 مليار دولار قبل عام. ومن الواضح أن مُعيقات تعافي السياحة بدأت تتلاشى تدريجيا بعد أن أثرت عليها أزمات المنطقة، التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل استراتيجية تتبعها الحكومة تهدف إلى استقطاب أسواق جديدة وتنويع إيرادات هذا القطاع الحيوي. وتقود السياحة قاطرة الاقتصاد المحلي المتعطش للنمو، في ظل ركود معظم محركات النمو الأخرى، التي أثرت على كافة مناحي الحياة للمواطنين. وتضرر القطاع من تفاقم أزمات المنطقة منذ 2011 ثم سيطرة تنظيم داعش المتطرف عام 2014 على مناطق واسعة في العراق وسوريا، ولكن الوضع تحسن بعد القضاء على الجهاديين في المنطقة. ومنذ سنوات طويلة، يعتمد اقتصاد الأردن، البالغ عدد سكانه حوالي 9.5 ملايين نسمة، وتشكل الصحراء نحو 92 بالمئة من مساحة أراضيه، إلى حدّ كبير على المداخيل السياحية، التي تشكل ما بين 12 و13 من إجمالي الناتج المحلي، وفق التقديرات الرسمية.وتلجأ عمّان بين الفينة والأخرى إلى توسيع تحركاتها للتسويق للمواقع السياحية بهدف استقطاب سياح من جنسيات متعددة، ولأنواع السياحة في البلد، وتفخر خصوصا بتحولها إلى وجهة للسياحة العلاجية. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، استعادت المرافق السياحية المقامة على ضفاف البحر الميت، على سبيل المثال، بعضا من زخم السياحة الوافدة وسياحة الأعمال، والذي كانت تتمتع به قبل أعوام بعد فترة من التذبذب بسبب الاضطرابات الإقليمية. وإلى جانب زوارة المنطقة، يزور الأردن سياح من أسواق بعيدة كأميركا اللاتينية والولايات المتحدة والمكسيك والصين واليابان في برامج زيارات مشتركة مع دول الجوار. وعلى الجانب الآخر، ارتفعت حوالات العاملين في الخارج بنسبة 1.6 بالمئة بنهاية أبريل من العام الحالي. وتظهر البيانات الجديدة أن قيمة الحوالات بلغت حوالي 851 مليون دولار (1.2 مليار دولار)، مقارنة مع 1.18 مليار دولار للفترة ذاتها من العام الماضي. ويقول الخبير الاقتصادي قاسم الحموري إن الأردن يعتمد بشكل كبير على حوالات العاملين في الخارج، لذلك فإن وضع الاقتصاد المحاصر من كل الجهات لا يحتمل التضحية بعنصر أساسي في ميزان المدفوعات، الذي تضرر في السنوات الأخيرة. وبحسب إحصاءات صادرة عن وزارة الخارجية الأردنية، فإن عدد المغتربين الأردنيين يبلغ حاليا حوالي مليوني شخص موزعين على قرابة 70 دولة حول العالم. وبدأت تحويلات المغتربين، تتأثر سلبا منذ تداعيات هبوط أسعار النفط على اقتصادات الخليج في منتصف 2014، وبدء فرض ضريبة القيمة المضافة والرسوم على المغتربين. ويعتبر الأردن من أكثر الدول العربية تصديرا للعمالة المدربة إلى دول الخليج، وهو يحتل موقعا راسخا في سلم الوظائف الحكومية والقطاع الخاص في تلك الدول. وتشكل السياحة وتحويلات العاملين في الخارج رافدين مهمين لتعزيز احتياطات البلاد من العملات الأجنبية، إلى جانب قيمة الصادرات السلعية والخدمية، والمنح والقروض والمساعدات الخارجية، التي تساعد في تقليص عجز الموازنة العامة سنويا. ويعاني الأردن، الذي يستورد أكثر من 90 بالمئة من حاجاته من الطاقة من الخارج، ظروفا اقتصادية صعبة وديونا، كما أنه تأثر كثيرا بالأزمتين المستمرتين في كل من العراق وسوريا ولاسيما أزمة اللاجئين. وتلقي هذه الأوضاع الصعبة بظلال قاتمة على حياة المواطنين، الذين يبحثون بدورهم عن حل يوفر لهم كرامة العيش، فيما تحاصرهم ضغوط البطالة والضرائب وارتفاع الأسعار. 3 مليارات دولار إيرادات الأردن من السياحة وتحويلات المغتربين في أول 4 أشهر من 2019 واتخذ الأردن حزمة من الإجراءات التقشفية في السنوات الأخيرة، تضمنت زيادة الضرائب على بعض السلع وفرض رسوم ضريبية جديدة على عدد من الخدمات. وتزايدت ضغوط صندوق النقد الدولي على الأردن للإسراع في تنفيذ برنامج الإصلاح المتفق عليه وخاصة ضريبة الدخل ومعالجة ارتفاع معدل البطالة وخفض الدين العام، رغم إشادته بمتانة النظام المالي للدولة. وأعطى البرلمان في ديسمبر الماضي، الضوء الأخضر للحكومة لتنفيذ قانون ضريبة الدخل المعدل، بعد أن أثار في مايو العام الماضي، موجة احتجاجات، دفعت الملقي إلى تقديم استقالته، وتكليف عمر الرزاز، خلفا له. وقد اتسعت طموحات الحكومة بمعالجة اختلال التوازنات المالية عبر خفض فاتورة الطاقة بعد الإعلان الأسبوع الماضي عن اكتشاف جديد للغاز في حقل الريشة، يرجح أن يضع البلاد في طريق مفتوح لتجاوز الاكتفاء الذاتي وبلوغ مرحلة التصدير مستقبلا في حال تم استثماره بالشكل المطلوب.
مشاركة :