أمجد ناصر.. السرد الموصول

  • 6/18/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف أبولوز ثلاثة أمكنة في حياة أمجد ناصر مثل سرد مُتقطّع هي المفرق (الطرّة) مسقط الرأس، وبيروت، ولندن، لكن على حواف هذه الأمكنة ثمة أمكنة أخرى ستكون في انتظار الفتى البدوي الذي حوّل اسمه المستعار إلى اسم علم، وهو ما زال في العشرين من عمره.. الزرقاء، عمّان، دمشق، قبرص، عدن، وفي كل مكان لا يترك صاحب «سُرَّ من رآكِ» أثراً عابراً، هذا أو ذلك الفتى المولع بالقمصان.. الخارج على الاسم القبلي أولاً، والخارج على سلطة التفعيلة ليجد صهيله الأحمر في النثر، وفي قصيدة النثر. ثلاثة أصدقاء، أيضاً، في حياة الفتى الوسيم: غسان زقطان، وزكريا محمد، و«يحيى النميري النعيمات».. والاسم الأخير اختبأ في الاسم المستعار العادي تماماً: «أمجد ناصر»، لكن الشعر يحوّل الحصى إلى فضة، ويحوّل الأسماء إلى كينونات حيّة مشغولة بالماء، والغيم والطمأنينة، وهو خرج من محدودية الشعر إلى الاحتفال المدهش بالكتابة التي أخذته كلّه إلى السرد، والوصف، والتأمل النقي في الأشياء والكائنات والتفاصيل بأمانة مطلقة إلى ذاته الكاتبة المبدعة، وهي بكلمة واحدة: «شجاعة مكتملة»، ففي الوقت الذي غرق الكثير من أبناء جيله السياسي بشكل خاص في الشعار والخطاب أو الخطبة الأيديولوجية، راح أمجد ناصر ينقّي شعره من كل هذه الشوائب والطفيليات.. ظل أميناً بروح الصحراوي البدوي لإطاره السياسي الذي انخرط فيه بإرادة شجاعة، وهو ما زال في الثانوية العامة، لكن هذه الإرادة السياسية لم تكن عند أمجد ناصر أقوى من الإرادة الشعرية.. والسياسة التي جرت في عروق دمه، كان يوازيها، بل، يتفوق عليها جريان آخر هو جريان الشعر، أو جريان الكتابة التي هي حياة أمجد ناصر.. وأماكنه الأكثر، وحيواته الأكثر. لم يخفق أمجد ناصر لا في قصيدة، ولا في سَرد، ولا في عشق مصبوب في إناء من الزهور، ومثله لا يرفع راية بيضاء أبداً. مولود من ينبوع مقترن بالريح، ويقدم على معناه وإشاراته بلا هوادة. لم يخفق أمجد ناصر، أيضاً في تجربة سياسية، الإخفاق دائماً في الإطار وفي النظرية وفي السلطة.. سلطة الحزب، أو سلطة التنظيم التي تعتقد أن الشاعر موظف أو قابل للاستعمال، وعندما يصل الشاعر إلى أن يحدّد خياراً، فخياره الكتابة.. الابنة الملائكية التي تأخذ بيد أبيها.. برفق وحنان نوراني إلى حيث تشع نجمة الحرية. أمجد ناصر «رتبة» رفيعة في القصيدة العربية الحديثة ولأقل الجديدة، لم يتهافت على الشعر، ولم يعتبره ذات يوم إقطاعية يجب أن تتوسع وتتمدد بكثرة العناوين والأغلفة.. أقل من عشر مجموعات شعرية كانت كافية بالنسبة لصاحب «رعاة العزلة» لأن يكون ليس معزولاً عن آلهة «الأولمب» التي تهدي النار للحطابين، والطيبين أصحاب القمصان المعروقة بالندى. التقيت أمجد ناصر مرات قليلة عابرة، وفي كل مرة كنت أقرأ وجه شاعر بدوي تتعلم منه المدنية المكتهلة بالحداثة كيف يكون الإنسان نقياً تماماً بحقيقته الداخلية.. لا بالحقائق الخارجية العارية التي تسخر منها الكتابة وتحوّلها إلى مادة مطفأة. أكتب عن شاعر في كامل عافيته، ولأمر يتعلق بقوة ذات الشاعر وفيضه وفروسيته، وتراثه المكتوب بقلم شجاع، وحضوره النفسي الجميل لم أحب له الأوسمة والدروع الآن، كما لو كانت وداعات مسبقة. كان يمكن أن يجري كل ذلك منذ زمن بعيد.. قبل أن يحضر أمجد ناصر إلى صالة الاحتفال على كرسي متحرك! yabolouz@gmail.com

مشاركة :