حياة سندي سعودية تتربع على عرش الابتكار العلمي العربي

  • 6/18/2019
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

في شهر مايو الماضي أورد موقع موديرن إيست الذي ينطلق من دبي إلى العالم، أسماء عشر نساء عربيات ملهمات، حققن معجزات في مجالاتهن، وشملت القائمة سيدات أعمال وطبيبات ومبتكرات ومهندسات ومحاميات بدءا من الإماراتية أمينة الرستماني وليس انتهاء بأمل كلوني زوجة الفنان العالمي جورج كلوني. لكن واحدة من تلك النساء تعتبر مثالا حيا على قدرة المرأة العربية على النجاح في مجالات صعبة ومعقدة. دخلت اختصاصا طبيا حديثا يستلزم الكثير من الوقت والجهد، ولأنها دائمة النشاط، لم تتوقف عند حد معين من التفوق والابتكار. هي حياة سندي العالمة السعودية الشهيرة في مجال التكنولوجيا الحيوية والتي تمكنت من التوصل إلى العديد من الاختراعات المهمة التي جعلتها تتبوّأ مكانة علمية رفيعة ليس على مستوى وطنها فقط بل عالميا أيضا، وكان أهمها وأشهرها اختراع مجس للموجات الصوتية والمغناطيسية يمكنه تحديد الدواء المطلوب لجسم الإنسان إن كان على الأرض أو في الفضاء، لأن سندي وضعت في حسبانها الوضع الصحي لرواد الفضاء أيضا. الطالبة الفاشلة لم يشغل بال سندي في طفولتها اللعب واللهو مثل أي طفل في عمرها، كان اهتمامها بالعلم والعلماء ملفتا جدا لكل من حولها، كانت تقرأ عن إنجازات علماء التاريخ من الخوارزمي والرازي، وابن الهيثم، إلى اينشتاين، وماري كوري وآخرين. تقول “كان البحث عن قصص العلماء وإنجازاتهم لعبتي المفضلة وخلوتي التي أحلق في سمائها لأتلمس حلمي البعيد، ثم أخرج منها لأسأل والدي هل الأبطال الذين حققوا كل هذه الإنجازات العلمية المبهرة استثناءات؟ هل هم مثلنا؟ وكيف أصبحُ مثلهم وأقدم إنجازا يخدم البشرية؟ فكان يجيبني: بالعلم يا ابنتي يحقق الإنسان ما يطمح إليه ويخلد اسمه في سجلات التاريخ”.كان والد سندي يشجعها ويحفزها على تطوير ذاتها، تلقت تعليمها منذ المرحلة الابتدائية إلى بداية المرحلة الجامعية في مكة المكرمة، تحت إشرافه ورعايته المستمرة، لم يكن يتأخر عن تزويدها بأي من الكتب العلمية التي تنمّي موهبتها العلمية، ويذهب للبحث عمّا يلبي شغفها الدائم بالمعرفة. ولذلك تعتبر سندي أن القراءة هي مفتاح المعرفة وأنها مسؤولية الأهل الذين عليهم أن يشجعوا أبناءهم عليها عبر الحوار معهم وإجابتهم عن كل سؤال. تخرجت من الثانوية العامة بتفوق عالٍ، حيث أهلها ذلك للالتحاق بكلية الطب، وهناك بدأت مرحلة عشقها لعلوم الأدوية بالتحديد، إذ كانت تراها علوما تخدم الإنسانية وتحميها من المرض، ولسوء الحظ وحسنه في الوقت نفسه، لم تجد سندي في جامعات وطنها السعودية مكانا مختصا بتدريس هذا العلم الذي كان حينها مجالا حديثا وتخصصيا أيضا، وأمام رغبتها الشديدة في استكمال تعليمها، استسلم الأهل ووافقوا على سفرها إلى لندن. في لندن صدمت سندي بعائق لم يكن في حسبانها، وهو لغتها الإنكليزية والتي بالرغم من إتقانها لها بشكل جيد لكنها لا تؤهلها للقبول في أي جامعة. فما كان عليها إلا تجاوز كل العقبات، فقررت انتزاع كلمة المستحيل من قاموس حياتها، ودرست يوميا بين 18 إلى 20 ساعة، حتى تقدمت للاختبارات التي أهلتها في ما بعد للحصول على قبول غير مشروط في جميع الجامعات التي تقدمت لها، واختارت جامعة “كينغز كوليدج” العريقة. كان الأستاذ المشرف على رسالتها في الدكتوراه يلقبها بالفاشلة، وكان السبب، حسب سندي، عنصريا، لأنها التزمت بحجابها الذي تعتبره، حسب قناعاتها، جزءا من هويتها ودينها. لم تهتم بكل محاولاته لإحباطها، وواصلت مسيرتها نحو التقدم والتميز، فحصلت بعد فترة وجيزة على احترام وحب زملائها حتى في شهر رمضان، حين قاموا بالامتناع عن الطعام أمامها حرصا على شعورها. جاءت لسندي فرصتها الذهبية وهي في العام الثاني من مشوارها في لندن، عندما وصل عقار جديد من ألمانيا إلى جامعتها، وطلب من فريقها العلمي أن يجري عليه التجارب لمعرفة تركيبته الكيميائية، وكيفية عمله في جسم الإنسان، وقد استطاعت وفريقها تحقيق هذا الإنجاز، فكانت تلك التجربة وراء اختيارها التقنية الحيوية، لتكون مجال تخصصها في الدراسات العليا بجامعة كامبريدج بعد أن حصلت على الشهادة الجامعية مع مرتبة الشرف. في الشهر الرابع لها في كامبريدج، تمكنت حياة سندي من تحقيق نتائج مبهرة على جهاز من ابتكارها يتتبع آثر نوع من أنواع المبيدات الحشرية على الدماغ، وقد تقدمت ببحثها هذا إلى مؤتمر “جوردن” الدولي المنعقد في ولاية بوسطن الأميركية، حيث تم قبول البحث بالمؤتمر، إلا أن الجامعة رفضت المشاركة لعدم استعدادها لتحمل التكاليف، خاصة وأنها ما زالت طالبة، وكانت المفاجأة أن الجهة المنظمة أبدت استعدادها لتغطية التكاليف، وقد حظي البحث باهتمام كبير من كل الحضور، فكانت أصغر طالبة ترسلها الجامعة لحضور مؤتمر علمي خارج بريطانيا. ومع مرور الوقت تم اختيار سندي لتكون ضمن فريق من العلماء الشبان الأكثر تفوقا في بريطانيا، في تجربة تمت بمجلس العموم البريطاني بهدف أخذ مشورة هذه المجموعة في تطوير مناهج العلوم. "مارس" الابتكار الأهماسم سندي مرتبط في الغرب باسم ثانٍ، وهو “مارس” الجهاز الهام جدا في عالم الطب، والذي ابتكرته سندي، ويمكن القول إنه خلاصة أبحاثها وتجاربها العلمية، وأهمتيه تأتي من كون أن له العديد من التطبيقات في نواح مختلفة للصناعات الدوائية، وفحوصات الجينات والحمض النووي الخاصة بالأمراض الوراثية، وكذلك المشاريع البحثية لحماية البيئة وقياس الغازات السامة. “مارس” ببساطة هو شريحة صغيرة بحجم طابع البريد تهدف إلى مساعدة العلماء والأطباء على فهم كيمياء الجسم البشري، من خلال مجسّات فيها تكتشف الأمراض، بمعنى آخر هو آلة تشخيصية صغيرة قادرة على تحليل سوائل الجسم بتكلفة مادية بسيطة، تساعد على فهم ومعالجة الأمراض الوراثية، وتسهم في تشخيص الأمراض السرطانية والأورام المختلفة. يتميز ابتكار العالمة السعودية بدقته العالية التي وصلت إلى تحقيق نسبة نجاح كبيرة في معرفة الاستعداد الجيني للإصابة بالسكري وتبلغ 99.1 بالمئة، بعد أن كانت من قبل لا تتجاوز 25 بالمئة. وفي الوقت الذي كانت تضع فيه أخر لمساتها على رسالتها في الدكتوراه، جاءتها دعوة من مستشفى السرطان في كندا، بهدف إجراء تجارب على مجس متعدد الاستخدامات التي قامت سندي بابتكاره، ولم تكن هذه الدعوة الأولى من نوعها في ما يخص هذا الابتكار المعروف اختصارا بـ”مارس”، حيث تلقت قبل ذلك دعوة من وكالة ناسا ولمدة أسبوعين قدمت إليها بعدها عرضا مغريا للعمل معها.لكن الصعوبات التي كانت تواجهها سندي في سنوات دراستها أخذت تتزايد دون توقف، حيث فوجئت قبل تسعة أشهر من انتهاء المنحة بخطاب غير مبرر موجه إليها من عميد الجامعة يطلب فيه منها، تغيير البحث والبدء برسالة جديدة كليا، وما كان على سندي التي لا تعرف اليأس إلا مسابقة الزمن والبدء بإنجاز رسالة جديدة، ولكنها صدمت مرة أخرى بقرار آخر من الجامعة أنه قد تم إنهاء المنحة الدراسية الخاصة بها، هنا لم تستطع فعل أي شيء غير أنها شعرت بظلم شديد ودخلت في حالة إحباط كبيرة، حينها وصل هذا الخبر إلى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان لا يزال وليا للعهد حينها، فقام على الفور بالتكفل بالفترة المتبقية لدراسة سندي حتى حصلت على شهادة الدكتوراه في مجال التكنولوجيا الحيوية، لتكون أول سعودية وخليجية تحقق هذه الريادة العلمية. سيدة المهام الجليلة في العام 2010 فازت سندي بجائزة مكة للتميّز العلمي من الأمير خالد الفيصل، كما نالت لقب “المستكشفة الصاعدة” في عام 2011 من مؤسسة “ناشيونال جيوغرافيك”، بالإضافة إلى تصنيفها من قبل مجلة “نيوزويك” ضمن قائمة “أكثر 150 امرأة تأثيرا في العالم” في عام 2012، كما صنّفتها مجلة “أريبيان بزنس” في المركز التاسع عشر ضمن قائمة الشخصيات العربية الأكثر تأثيرا في العالم العربي، وفي المركز التاسع ضمن قائمة السيدات العربيات الأكثر تأثيرا. بالإضافة إلى عمل سندي الحالي في السعودية فهي باحثة زائرة في جامعة هارفارد، وتسافر كثيرا بين جدة وبوسطن وكامبريدج، وأتاح لها عملها المخبري في جامعة هارفارد المشاركة مع أربعة علماء آخرين في فيلم وثائقي بدعم من المكتب التنفيذي للرئيس الأميركي شخصيا لتعزيز تعليم العلوم بين الشباب.وإلى جانب نشاطاتها العلمية، تشارك في فعاليات عدة تهدف إلى رفع الوعي بالعلوم بين الإناث بشكل خاص، ولاسيّما في السعودية، سعيا منها إلى تشجيع الشابات السعوديات على الخوض في دراسة الطب والعلوم، وعدم ترك هذا المجال الحيوي الهام للذكور فقط. كما تهتم سندي كثيرا بقضية هجرة الأدمغة، ورغم كل الإغراءات الوظيفية التي قدمت لها في الغرب، إلا أنها اختارت العودة إلى وطنها، والمشاركة في النهضة العلمية التي بدأت منذ أعوام بمنطقة الخليج العربي بشكل عام. سبق للعالمة السعودية أن عُيّنت كأول سفيرة للنوايا الحسنة للعلوم لجهودها في تشجيع تعليم العلوم في الشرق الأوسط، من قبل رئيسة منظمة اليونسكو السابقة إيرينا بوكوفا، كما اختارها المؤتمر الوطني للعلوم في أميركا في عام 2012 و2013 كأحد أفضل 50 عالما لتشجيع العلوم لدى الشباب. حققت حياة سندي إنجازا آخر يوازي إنجازاتها العلمية، لكنه في مكان مهم اجتماعيا ويرفع من مكانة المرأة السعودية، حيث أصبحت جزءا من أول مجموعة نسائية تعمل في مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية. ومن كل تلك المفاصل تواصل هذه المرأة صناعة التأثير ومراكمة الوعي والتنوير في بلادها.

مشاركة :