علاء الأسواني: ماذا حدث في سان مالو ؟!...

  • 6/18/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في مقاله* لـ DW عربية يحكي علاء الأسواني عن تجربته في "سان مالو". يعتبر ميشيل لوبري MICHEL LE BRIS  أحد أهم المثقفين الفرنسيين، وبرغم تقدمه في العمر ( من مواليد 1944 ) فهو لازال يتمتع بحيوية ذهنية كاملة. على مدى عقود أصدر لوبري العديد من الكتب والمجلات واشترك في أنشطة ثقافية متنوعة مع أكبر الأسماء في الثقافة الفرنسية وعلى رأسهم الكاتب الكبير جون بول سارتر JEAN PAUL SARTRE. في عام 1990 قرر ميشيل لوبري أن ينظم مهرجانا أدبيا فوقع اختياره على " سان مالو"، SAINT MALO  وهي مدينة صغيرة ساحلية تطل على بحر المانش، وقد تم تدميرها بالكامل أثناء الحرب العالمية الثانية ثم أعيد بناؤها مع الحفاظ على طرازها المعماري العتيق . اختار لوبري للمهرجان اسم "الرحالة المدهشون" .LES ETONNANTS VOYAGEURS منذ عامه الأول حقق المهرجان نجاحا كبيرا واستمر نجاحه عاما بعد الآخر حتى أصبح من أهم المهرجانات الأدبية في فرنسا والعالم. في يونيو من كل عام تتم دعوة الأدباء من كل أنحاء العالم الى المهرجان وينتقلون من باريس إلى سان مالو في قطار تستأجره خصيصا ادارة المهرجان لهم. أثناء المهرجان تعقد عشرات الندوات الأدبية امام آلاف الزوار الذين يأتون من كل مكان في فرنسا لحضور المهرجان.  بعد الندوة يذهب الأدباء إلى أجنحة دور النشر حيث ينتظرهم القراء ليوقعوا لهم مؤلفاتهم. أثناء المهرجان تبيع دور النشر آلاف المطبوعات مما يجعلها حريصة على المشاركة في المهرجان سنويا. بالاضافة إلى الندوات والتوقيع  هناك تقليد لطيف اسمه "افطار مع الكاتب" حيث يقوم القراء بتسجيل أسمائهم ليتناولوا الافطار مع كاتبهم المفضل. أفطرت مرارا مع قرائي الفرنسيين في هذا المهرجان وكان لقائي بهم دائما مفيدا وممتعا فأنا مثل الكتاب جميعا أكتب لقراء لا أراهم ويسعدني ان أقابلهم وأتبادل الحديث معهم. بدأت علاقتى بسان مالو عام 2006 عندما دعتني ادارة المهرجان لأول مرة ثم استمرت مشاركتي في المهرجان وهذا العام شرفتنى ادارة المهرجان باعطائي ندوة رئيسية في يوم الافتتاح حيث التقيت وحدى بجمهور غفير من القراء وتحدثت اليهم عن رحلتي في الأدب والحياة.. في كل مرة أذهب إلى سان مالو أو أي مهرجان أدبي ناجح في العالم يلح على السؤال: لماذا لا ننظم نحن المصريين مهرجانات أدبية ناجحة..؟ بسبب العشوائية والاهمال وعدم احترام المواعيد توقفت عن المشاركة في معرض القاهرة للكتاب منذ أكثر من عشرة أعوام. قد يقال إن قلة الامكانيات سبب الفشل. ليس هذا صحيحا لأن حسن التنظيم لا يحتاج إلى مصروفات. أضف إلى ذلك أن الميزانية الضخمة التي ينفقها السيسي على مؤتمرات الشباب (بغرض الدعاية لنفسه) تكفي لعمل عشرة مهرجانات مثل سان مالو. لماذا ينجح الغربيون ويفشل العرب؟ ان الغربيين ليسوا أفضل منا بدليل أن العرب الذين يهاجرون إلى الغرب يتفوقون ويثبتون جدارتهم. ماذا ينقصنا حتى ننظم مهرجانا مثل سان مالو؟ أولا: لايمكن تنظيم مهرجان أدبي ناجح بدون جمهور عريض من قراء الأدب.  الفرنسيون من أكثر الشعوب قراءة للأدب حتى أن معظم جمهور سان مالو يأتون من أماكن بعيدة ويأخذون إجازة من العمل ليحضروا  المهرجان بل ان السائقين الذين ينقلون الأدباء بسياراتهم متطوعون يعملون بلا أجر ويعتبرون ان مكافأتهم الكبرى هي التعرف إلى الأدباء. لا يمكن مقارنة ذلك بحالة الأدب في مصر. ان تدهور التعليم والاعلام  ــ الموجه من المخابرات - الذي يشغل الناس بالتفاهات حتى لا يطالبوا بحقوقهم وبعض رجال الدين الذين يقنعون أتباعهم بأن قراءة الأدب ستشغلهم عن ذكر الله. كل هذه العوامل جعلتنا من أقل الشعوب قراءة للأدب. اننا نتعلم تاريخنا من المسلسلات التليفزيونية ونمارس الوطنية عبر كرة القدم وخارج المسلسلات وكرة القدم فاننا غالبا لانهتم بشيء. ثانيا: المهرجانات الأدبية في الدول الديمقراطية تنظمها هيئات أهلية وليست حكومية وحتى عندما تدعم الدولة المهرجان ماليا فهي لا تتدخل اطلاقا في تنظيمه. لن تجد أبدا في أي مهرجان أدبي غربي من يشيد بحكمة السيد الرئيس ولن تجد أبدا من يرسل إلى رئيس الدولة برقية تأييد ومبايعة كما يحدث عندنا. ان تنظيم المهرجانات بواسطة الحكومة في دولة ديكتاتورية يؤدي إلى اصابة المهرجان بكل أمراض الديكتاتورية من فساد وبيروقراطية ونفاق مما يؤدي حتما الى فشل المهرجان. ثالثا: في الدول الديمقراطية يتم اسناد المناصب إلى أصحاب الكفاءة فالسيد ميشيل لوبري يتمتع بخبرة ومعرفة تجعلانه قادرا على انجاح المهرجان، أما في مصر فان المناصب يحظى بها أهل الولاء وليس الكفاءة، وهكذا نرى اللواءات المتقاعدين يديرون كل مؤسسات الدولة بدءا من مترو الانفاق وحتى هيئة الثروة السمكية والأوبرا. من الطبيعي اذن ان تفشل الدولة مادام المسؤولون لا يمتلكون الخبرة والعلم وكل ما يميزهم ان الديكتاتور يثق في ولائهم. ان دراسة نجاح مهرجان سان مالو ومقارنته بفشلنا في مجال الثقافة انما يؤكد مرة أخرى انه يستحيل عمل أي اصلاح جزئي في ظل الديكتاتورية. ان النظام السياسي يشبه الجهاز العصبي المركزي الذى يتكون من المخ والعمود الفقري ويتحكم تماما في الجسم فاذا تلف الجهاز العصبي المركزي فسوف يؤدي ذلك حتما إلى افشال وظائف أعضاء الجسم جميعا.  فقط عندما نتخلص من الديكتاتورية سيكون بامكاننا التخلص من الفساد والفشل وسيكون بامكاننا الاستفادة من أصحاب الكفاءات وسوف نحرز النجاح في كل مجال. عندئذ سوف نستطيع  أن ننظم مهرجانا أدبيا مثل سان مالو وأفضل منه     الديمقراطية هي الحل draswany57@yahoo.com   * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

مشاركة :