في مقاله* لـDW عربية يحكى علاء الأسواني ما حدث لألبير كامو في مطار القاهرة. قضيت في الولايات المتحدة عشرة أسابيع ألقيت خلالها محاضرات وتلقيت التكريم في ثلاث جامعات أمريكية هي برنستون وهارتموث ونيويورك بالاضافة إلى مدرسة الكتابة الابداعية التي افتتحتها في نيويورك ولاقت اقبالا مشرفا من الطلبة الامريكيين. حان موعد عودتي إلى مصر ونصحني أصدقاء كثيرون بتأجيل عودتس لأن اجراءات القمع أصبحت تطال المعارضين جميعا. قررت العودة أولا لأنني قضيت فترة طويلة بعيدا عن أسرتي وقد اشتقت إلى رؤيتها، وثانيا لأنني لم أرتكب جريمة تجعلني أهرب من بلدي، وثالثا لأنني عوقبت فعلا على آرائي المعارضة فمنذ أن تولى السيسي الحكم وأنا ممنوع من الكتابة في الصحف وممنوع من الظهور في التليفزيون وقد توقفت ندوتي الثقافية الأسبوعية نتيجة لضغوط الأمن، حتى روايتي الأخيرة "جمهورية كأن" اضطررت إلى نشرها في بيروت بعد أن تعذر نشرها في مصر نتيجة الضغوط الأمنية. سافرت على الخطوط الجوية الأردنية فقطعت الرحلة من نيويورك إلى عمان ثم إلى القاهرة. حجزت كعادتي في نظام الخدمة المميزة الذي يمكن لأي مسافر الاشتراك فيه فينتظره مندوب لينهي اجراءات السفر بينما المسافر ينتظر في قاعة مريحة. سافرت وعدت إلى مصر مئات المرات وعادة لا تستغرق الاجراءات أكثر من نصف ساعة على أقصى تقدير. هذه المرة كانت مختلفة: أخذ مندوب الخدمة المميزة جواز سفرى ثم ذهب ولم يعد. ظللت أنتظر وحيدا في القاعة لمدة ساعة كاملة ثم ظهر أمين شرطة راح يتحدث في اللاسلكي ويتطلع إليَّ ويقول لمن يحدثه: - أيوه ياباشا. أنا لقيته. هو بنفسه قاعد قدامي (أمامي) كرر هذه الجملة مرتين بصوت مرتفع وكأنني كنت هاربا ووجدوني أخيرا. قررت أن أتجاهل هذه الحركات الصبيانية وبعد قليل ظهر شخص سألني عن اسمي وأجبته فقال بلهجة ذات مغزى: - حضرتك حتتأخر معنا شوية قلت: - ممكن أعرف سبب التأخير؟ قال بغموض قبل أن يمضي: ـ عندك تأخير في كل حاجة. قررت ان أسال عما يحدث فذهبت إلى ضابط الجوازات وقلت له: - أنا أنتظر منذ ساعة ونصف. أظن من حقي أن أعرف سبب التأخير .. ابتسم الضابط وقال: - مشكلتك ليست معنا .. مشكلتك في الجمارك اندهشت لأنني أحمل حقيبة واحدة ليس فيها أي شيء يستحق رسوم جمركية انتظرت نصف ساعة أخرى ثم ظهر مندوب الخدمة المميزة وقال: - أنا آسف لكنهم يريدون تفتيش الحقيبة قلت له لا مانع أبدا وذهبت معه فوجدت حقيبتي وقد أفردوا لها مكانا خاصا ووقف أمامها عشرة أشخاص يقودهم رجل فهمت انه رئيس الوردية بينما يقف بجوارهم مسؤول الأمن يتلقى التعليمات بالتليفون. قال لي مسؤول الجمرك: ــ معك ممنوعات؟ أجبت بالنفي فشرعوا في تفتيش الحقيبة بعناية وأخرجوا كل شئ منها. لم يجدوا أي ممنوعات لكنهم وجدوا كتابين التقطهما مسؤول الأمن بحماس وراح يتفحصهما بحذر. كان أحد الكتابين من تأليفي صدر من سنوات باللغة الانجليزية والكتاب الآخر نسخة انجليزية من رواية "الغريب" لألبير كامو. ابتعد مسؤول الأمن وهو يمسك بالكتابين واتصل بالضابط وراح يقرأ له - بانجليزية متعثرة - الكلام المكتوب على الكتابين. خشيت من عواقب سوء الفهم فقلت لمسؤول الأمن: - اسمح لي.. هذا الكتاب من تأليفي وأنت ترى صورتي على الغلاف سألنى باسترابة: - هل الكتاب مطبوع في الجامعة الأمريكية.؟ قلت له: - الكتاب مجموعة مقالات كتبتها في جريدة "الشروق"(المصرية) ثم أصدرتها الجامعة الأمريكية بالانجليزية. راح يقلب في رواية كامو فقلت له: ـ الكتاب الآخر رواية لكاتب فرنسي اسمه ألبير كامو وبالمناسبة هو ليس ضد الرئيس السيسي أبدا سألنى: - هل تعرف هذا الكاتب شخصيا..؟ قلت: - لم تتح لي الفرصة لمعرفته لأنه مات عام 1960 نقل مسؤول الأمن هذه المعلومات إلى الضابط تليفونيا ثم عاد وقال: - سنصادر اللاب توب والتابليت منك لم ينتظر ردي وانما أخذهما وابتعد. هنا اعترضت قائلا: - لو حضرتك عاوز تفتش اللاب توب والتابليت تفضل لكن لو أخذتهما اقبض علي لأنني لايمكن أن اتركهما معك. حاول أن يقنعني لكنني أصررت على موقفي. كنت متخوفا من أن يضعوا شيئا ما على اللاب توب ثم يستعملونه بعد ذلك في تلفيق أي قضية. نقل مسؤول الأمن موقفي للضابط ثم طلب مني الانتظار حتى تأتي التعليمات. في تلك الأثناء توالت كلمات الاعتذار من الجميع. مسؤولو الجمرك اعتذروا ورئيس الوردية قال فجأة بشجاعة: - بصراحة كل اللي بنعمله معك مسألة أمنية مالهاش دعوة بالجمرك حتى مسؤول الأمن اعتذر هامسا: - انا مش عارف هم بيعملوا معك كده ليه. حتى الضابط إلي بيكلمنى مستغرب من الموقف لكن فيه حد فوقه بيعطي التعليمات. قلت له: ـ أنا محتجز منذ ساعتين ونصف ولم أعترض على التفتيش وشرحت لك ان الكاتب البير كامو مات من ستين سنة. ممكن أفهم ما التهمة التي تحتجزونني بسببها الآن..؟ راحوا يعتذرون من جديد ثم أخيرا جاءت التعليمات باطلاق سراحي فصافحوني جميعا بود. خرجت من المطار وما أن وصلت إلى البيت وفتحت التليفزيون حتى رأيت السيسي يقول في حوار بمناسبة الانتخابات: - أدعو كل صاحب رأي في مصر إلى أن يقول رأيه ..بحرية تامة الديمقراطية هي الحل draswany57@yahoo.com * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.
مشاركة :