"الفراغ الدستوري" فزاعة يلوح بها الجيش الجزائري لتطويق الحراك

  • 6/19/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

اختار قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال أحمد قايد صالح العودة إلى فزاعة الفوضى والفراغ الدستوري لثني الحراك الشعبي عن مطالبه المتمثلة في تجميد العمل بالدستور والدخول في مرحلة انتقالية تقودها شخصيات مستقلة. وذكر الجنرال قايد صالح في كلمة ألقاها الثلاثاء في مقر الناحية العسكرية الثالثة ببشار (الجنوب الغربي) أنه “كثر الحديث عن أهمية إيجاد حل توافقي بين أحكام الدستور وبين المطالب الشعبية، فهل يعتقد هؤلاء بأن هناك تناقضا أو تباعدا بين ما ترمي إليه الأحكام الدستورية في أبعادها الحقيقية وبين ما يطالب به الشعب الجزائري في مسيراته المتتالية”. وتابع “فالشعب الذي زكى دستوره هو أحرص من غيره على صيانة قانون بلاده الأساسي وحفظ أحكامه ودوام العمل به، فلا يمكن أن يتم باسم الشعب تحطيم إنجاز الشعب الجزائري المتمثل في قانونه الأساسي أي الدستور”. وأضاف متسائلا “هل يدرك من يدعي عن جهل أو عن مكابرة وعناد أو عن نوايا مبهمة الأهداف، بأن سلطة الشعب هي فوق الدستور وفوق الجميع، وهي حق أريد به باطل، كونهم يريدون عن قصد تجاوز، بل تجميد العمل بأحكام الدستور”. وتابع “هل يدرك هؤلاء أن ذلك يعني إلغاء كافة مؤسسات الدولة والدخول في نفق مظلم اسمه الفراغ الدستوري، ويعني بالتالي تهديم أسس الدولة الوطنية الجزائرية والتفكير في بناء دولة بمقاييس أخرى وبأفكار أخرى وبمشاريع أيديولوجية أخرى، تخصص لها نقاشات لا أول لها ولا آخر، هل هذا هو المقصود؟”. وشدد على أن “الجزائر ليست لعبة حظ بين أيدي من هب ودب وليست لقمة سائغة لهواة المغامرات، فهي عصارة تضحيات ثورة عظيمة اسمها الفاتح من نوفمبر 1954، تحتاج من أبنائها المخلصين والأوفياء التحلي بالكثير من الحكمة والتبصر والعقلانية والكثير من الاتزان الفكري والعقلي وبعد النظر، فالدستور الجزائري هو حضن الشعب وحصنه المنيع وهو الجامع لمقومات شخصيته الوطنية وثوابته الراسخة التي لا تحتاج إلى أي شكل من أشكال المراجعة والتبديل”. وتعكس تصريحات قايد صالح انحيازه الكلي للمقاربة القائلة بحل الأزمة السياسية في البلاد، عن طريق الحلول الدستورية، وعدم الذهاب إلى أي مرحلة انتقالية وأن تنظيم الانتخابات الرئاسية في أقرب الآجال هو الآلية الوحيدة لتحقيق باقي مطالب الحراك الشعبي.وبذلك يكون الرجل الذي يدير شؤون الدولة في الخفاء، منذ تنحي الرئيس السابق بوتفليقة عن منصبه مطلع أبريل الماضي، قد قطع الطريق أمام دعاة المرحلة الانتقالية، لتحقيق التغيير السياسي الشامل في البلاد ورحيل النظام القائم، وهو ما يزيد من حدة غموض المشهد الجزائري في ظل إصرار فعاليات الحراك الشعبي وقوى المعارضة على عدم الانخراط في مسعى السلطة. وكانت الجمعة السابعة عشرة من عمر الحراك الجزائري، صريحة وقوية في المطالب السياسية الداعية لرحيل رموز النظام وعلى رأسهم قائد أركان الجيش والرئيس الانتقالي عبدالقادر بن صالح، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نورالدين بدوي، وعدم الذهاب إلى أي انتخابات تمهد الطريق لإنتاج النظام بوجوه وآليات جديدة. ويستعد تكتل قوى التغيير المعارض المشكل من أحزاب سياسية وشخصيات مستقلة إلى تنظيم ندوة وطنية سياسية نهاية الشهر الجاري، لبلورة خارطة طريق جامعة وشاملة للخروج من الأزمة، وهو المسعى الذي يمثل حوارا سياسيا موازيا لذلك الذي تنوي السلطة تنظيمه استعدادا لتحديد موعد جديد للانتخابات الرئاسية. وينتظر أن يفاقم التصريح الأخير لقايد صالح حالة الاستقطاب الحاد بين السلطة وبين الحراك الشعبي وقوى المعارضة، ويدفع بالبلاد إلى المزيد من الغموض. ويبدو أن الخرائط السياسية التي اقترحت من طرف قوى حزبية وشخصيات مستقلة وأكاديمية، خاصة تلك أطلقها الدبلوماسي ووزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، ومجموعة من الكفاءات العلمية والمشيخات الدينية، لم تجد طريقها لإقناع الجيش الذي يعد القوة الأولى التي تدير شؤون البلاد في الظرف الراهن وتتخذ من الهيئات الرسمية المؤقتة (الرئاسة والحكومة) واجهة مدنية لها. ونُسبت العديد من القرارات السياسية والإدارية الهامة في مفاصل الدولة إلى الرئاسة المؤقتة بقيادة عبدالقادر بن صالح، رغم عدم دستوريتها وهو ما اعتبرته قوى معارضة خرقا صريحا للدستور يتم بإيعاز من قيادة المؤسسة العسكرية التي تدعو في نفس الوقت إلى احترام الدستور لما يتعلق الأمر بتحقيق مطالب الشارع الجزائري لتحقيق التغيير الشامل للسلطة. وقال الجنرال قايد صالح في كلمته “الشعب سيدرك بالتأكيد أن من يفيض صدره حقدا على الجيش الوطني الشعبي وعلى قيادته الوطنية، هو لا محالة في خانة أعداء الجزائر، فأعداء الجزائر يدركون تماما، بحسرة شديدة وبحسد أشد، بأن بلادنا تحوز اليوم جيشا وطني المبدأ وشعبي المنبع وصادق العمل والسلوك، على رأسه قيادة مجاهدة تمنح للجهاد معناه الحقيقي، وتضع عهد الشهداء منارتها العالية”. وحملت مفردات قائد الجيش رسائل مبطنة إلى جهات لم يسمها، تدعم السلطة السابقة، التي يقبع عدد من رموزها في سجن البليدة العسكري بتهم التآمر على قيادة الجيش وعلى الدولة، وعلى رأسهم سعيد بوتفليقة والجنرال محمد مدين (توفيق) والجنرال عثمان طرطاق (بشير)، فضلا عن رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، وأخرى تنشط في المعارضة السياسية والحراك الشعبي، كما هو الشأن بالنسبة للمعارض كريم طابو رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي (غير معتمد).

مشاركة :