تبدو صورة الصراع السياسي الحالي في كل من السودان والجزائر محورها (محتجون مدنيون ضد الجيش)، وهي صورة قاتمة لا تبشر بالخير في مستقبل البلدين، لأنها قد تؤدي إلى تفكيك مؤسسة (الجيش الوطني) الذي يشكل العمود الفقري في قوة الدولة ضد الأطماع الخارجية ومواجهة الإرهاب، ومثلما خسرنا (الجيش العراقي) بعد الاحتلال الأمريكي للعراق نخشى أن نخسر مؤسسة (الجيش الوطني) في كل من السودان والجزائر. ومثلما أسلفت القول منذ يومين (هناك اعتقاد خاطئ بحصر الدكتاتورية في الجيش).. لأن هناك دكتاتورية قد يأتي بها صندوق الاقتراع في صورة أشخاص مدنيين.. وهؤلاء دكتاتوريتهم لا تقل بشاعة عن العسكريين.. وإذا كانت (ميانمار) هي نموذج الدكتاتورية العسكرية، فإن (فنزويلا) حاليا هي نموذج الدكتاتورية (المدنية)، ذلك أن الرئيس الفنزويلي السابق (شافيز) والحالي (مادورو) هما نموذج (الدكتاتورية) التي جاء بها صندوق الانتخابات، وجلبت إجراءاتهما الاقتصادية اليسارية كتأميم الشركات والمصانع وتصفية خصومهما في قطاع النفط، حتى بين المهندسين العاديين، جلبت لفنزويلا الخراب والدمار والمجاعة، وتحولت (فنزويلا) من بلد كانت تتفاخر بوجود وزارة خاصة لاختيار (ملكة جمال فنزويلا) على العالم، إلى فنزويلا التي تشهد نزوح المواطنين والعائلات يوميا إلى الجارة (كولومبيا) لشراء الأدوية والغذاء والماء ومحارم ورق الحمام. هذا نموذج للدكتاتورية المدنية التي تجلبها صناديق الانتخابات في العصر الحالي، وإن شئتم نموذجا آخر في العهد القديم فتذكروا أن زعيم النازية الألمانية (هتلر) جاء عبر صناديق الاقتراع، وزعيم الفاشية (موسوليني) في إيطاليا جاء هو الآخر عبر الانتخابات، وكلاهما تسببا في اندلاع الحرب العالمية الثانية التي حصدت أرواح الملايين من البشر في أوروبا والعالم، ودمرت مدنا كثيرة في حرب مجنونة. إذا كانت احتجاجات الشارع في السودان والجزائر تريد صعود دكتاتورية مدنية، فعليها أن تتأمل جيدا في صور العراق وليبيا وسوريا واليمن.. كلها نماذج فاشلة دفعت ثمنها الشعوب العربية قتلا وتهجيرا وصعود بشاعة الإرهاب في الدول العربية.. فاتعظوا يا أولي الألباب.
مشاركة :