صوت البرلمان العراقي الخميس الماضي على اعتبار يوم 13 يونيو (حزيران) يوما وطنيا، مِن كل عام، احتفالا بصدور فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع الشيعي علي السيستاني، والتي أسفرت عن تأسيس الحشد الشعبي، على إثر تفاقم أمر داعش، في الموصل عام 2014. كتب البعض أنه لو صار يوم تحرير الموصل عيدا وطنيا لتم ذلك باتفاق بين شرائح المجتمع العراقي، بينما اعتبار العيد يوم صدور الفتوى، وأن المقترح أتى من رئاسة الوزراء، فهو أمر لا يتعلق بالفتوى المذكورة، بقدر ما يتعلق بتأسيس الحشد الشعبي، اتحاد ميليشيات كانت موجودة من قبل، كميليشيا “بدر”، و”عصائب أهل الحق”، و”كتائب حزب الله”، و”حركة النجباء”، وكل ما تأسس بحجة أو ذريعة الدفاع عن الأضرحة بالشام، كضريح الست زينب، وحجر بن عدي، والست رقية، لكن في الحقيقة كان ذلك تحشيدا إيرانيا، وقد لعب القيادي في حزب الله محمد كوثراني دور الخطيب المُحشد الأول من خلال خطبه في كربلاء. اتُّخذت فتوى الجهاد الكفائي -أي العدد الذي يُكتفى به، وليس جهاد العين، أي على كل فرد واجب الانخراط في القتال- كأسس في تشكيل الحشد الشعبي، الذي يهم الإيرانيين وجوده، لأنه يمثل أحد فروع الحرس الثوري الإيراني، خارج إيران، وهذا ما يؤكده مسؤولون عراقيون، إنه ما مِن مسؤول عراقي يُقابل علي خامنئي إذا لم يوصِه الأخير خيرا بالحشد الشعبي! بينما الفتوى كانت واضحة، ووضحت في أكثر مِن خطبة مِن خطب الجمعة، التي تعلن المرجعية الدينية فيها آراءها، على أنها فتوى للقتال ضمن القوات المسلحة، وليس القوات المنفصلة، أما القانون فقد اعتبر الحشد جزءا من القوات المسلحة، ويأتمر بأوامر قيادة القوات المسلحة، لكن في الحقيقة ظلت ميليشيات الحشد محافظة على استقلاليتها في إطار الحشد الشعبي، وهو حشد شيعي، أما وجود بعض المقاتلين غير الشيعة فيه، ومن المسيحيين، فهو تغطية على أنه حشد عراقي. اللافت للنظر أن مجلس الوزراء العراقي قد قدم مقترحه إلى البرلمان باعتبار يوم فتوى الجهاد الكفائي يوما وطنيا، ونسيان دور الجيش العراقي والقوات المسلحة في القتال ضد داعش، وكذلك البيشمركة الكردية. ففي ذلك تأصيل لوجود الحشد وطنيا، والحقيقة أن الحشد كان مؤثرا في بعض الأماكن، بينما في أماكن أُخرى كان معوقا لعمل القوات المسلحة. فتوى الجهاد الكفائي كانت واضحة، ووضحت في أكثر من خطبة، على أنها فتوى للقتال ضمن القوات المسلحة يعرف الجميع أن إيران منذ 2003 حتى 2011 كانت تضغط على إخراج القوات الأميركية، بدعوى تحرير العراق، لكن ما إن خرج الجيش الأميركي حتى ظهرت الميليشيات ذات الدعم والتأسيس الإيرانيين لتحتل مكان تلك القوات، وقد فاجأ الدعم الإيراني لقوى الإرهاب العراقيين عبر الحدود السورية، كما فاجأهم احتضان عناصر الإرهاب القادمة من أفغانستان. تُقاس أهمية الحشد الشعبي لإيران بالنتائج، فقد استفادت إيران استفادة قصوى من الفراغ الذي تركه الأميركان، وأصبحت تعلن عن تأثيرها في العواصم الأربع: بغداد، دمشق، صنعاء، وبيروت. ففي كل عاصمة من هذه العواصم فرع للحرس الثوري، بمستشارين وقادة إيرانيين وبمقاتلين محليين من تلك البلدان. عندما صدر قانون اعتبار فتوى الجهاد الكفائي، وبالتالي تأسيس الحشد الشعبي، يوما وطنيا، أشار البعض إلى ما فعلته حكومة نوري المالكي مع رجال الصحوة، الذين حاربوا القاعدة في عامي 2006-2007، وهزموا الإرهاب تماما، وطاردوا أبا مصعب الزرقاوي وأخرجوه من الأنبار الشاسعة، ليُقتل في قُرى هبهب التابعة لمحافظ ديالى. لكن حكومة المالكي تنكرت لهم تماما، بعذر لا وجود لمقاتلين غير الجيش العراقي وبقية القوات المسلحة، وهذا ما تسبب في عودة الإرهاب الذي أرادته إيران كي يُفسح لها مجال التدخل في العراق، وتأسيس الحشد الذي صار يوم تأسيسه يوما وطنيا، بينما حقيقة الأمر أنه يوم لاحتلال إيراني. من جانب آخر، إن مجلس الوزراء أقسم رئيسه عادل عبدالمهدي -وكان عضوا في المجلس الإسلامي الأعلى، وقبلها كان بعثيا وشيوعيا- بأن تكون حكومته حكومة وطنية، خارج تأثير القوى الأجنبية، لكن خطوة اعتبار يوم تأسيس فرع الحرس الثوري في العراق يوما وطنيا أخلت بمحاولات ردم الفجوة بين الطوائف العراقية، بإظهار الحشد الشعبي في العراق كحزب الله في إيران، فقيادات الحشد من الموالين لإيران، وعلى وجه الخصوص أبومهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي، وبينهم من المطلوبين في عمليات إرهابية دولية وحلية، كالمهندس والخزعلي، فأي عيد وطني لجماعات ولاؤها العقائدي والقتالي لدولة أجنبية؟ حين يكون تأسيس الحشد الولائي لإيران ومراجعها كعلي خامنئي عيدا وطنيا، فإن مفهوم الوطنية يتحول إلى شيء آخر السلطة العراقية كشفت أنها تسترشد بالمرجع الديني، كي تعلن أن يوم صدور فتواه يوم وطني، وليس يوم انتصار الجيش العراقي، ومعلوم أن الأمر بالنسبة للسياسيين الشيعة يأخذ عدة اعتبارات، منها أن كلا منهم ملتزم بتقليد ديني، يرجحه على الدولة في أي حال من الأحوال، وهذا التقليد يجعل من السياسي، صاحب المركز كرئيس وزراء، أو منصب آخر، يكون قرار المرجعية له كواجب ديني، وهذا ما يقترب من ولاية الفقيه، والفرق بينها وبين ما في إيران أن الولي الفقيه هناك هو السلطة المعلنة، وفي العراق يُعتبر سُلطة غير معلنة. لا يؤخذ الأمر بهذه البساطة، أنه يوم وطني أو عطلة رسمية كبقية العُطل، إنما يؤخذ على محمل الجد عندما يكون تأسيس الحشد الولائي لإيران ومراجعها الدينية كعلي خامنئي عيدا وطنيا، وكأن مفهوم الوطنية قد تغير إلى مفهوم آخر، فهذا الإعلان، المُقترح من رئاسة الوزراء والمُشرع من قِبل البرلمان، أخذ بعين الاعتبار تكريم مرجعيتين، وبالأساس غير عراقيتين، مرجعية علي خامنئي باعتبارها المرشد الأول للحشد الشعبي، والثانية لعلي السيستاني باعتباره المؤثر في داخل العراق بحشد التقليد الديني. وقد يُطرح السؤال: لماذا لم تعترض بقية الكُتل السياسية كالأكراد مثلا؟ والجواب أن التصويت في البرلمان العراقي مبني على المصالح الطائفية والفئوية، وليس على مصلحة العراق كوطن، وليس بعيدا أن الاحتفاء غير الطبيعي بتتويج رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، وحضور السياسيين كافة، والموافقة على هذا التتويج تأتي ضمن الصفقات التي راح ضحيتها الشعب والوطن معا، فكم من قانون سُن داخل البرلمان، وهو لا ينسجم مع طبيعة هذا الحزب أو ذاك، ولكن لكل موافقة ثمنها. نقول: صار للحشد الشعبي عيد وطني، والمعنى هو عيد النفوذ الإيراني، فقد ورد في خطاب حسن روحاني الموجه لدول المنطقة: “تفاجأتم بنفوذنا في العراق”، ومعلوم أن ثقل هذا النفوذ يتم عن طريق ميليشيات الحشد الشعبي، فكان الأجدر تسميته بعيد النفوذ.
مشاركة :