انتشرت ظاهرة تسابق المزارعين اللبنانيين إلى توسيع زراعة التبغ، الذي بات يشكل في هذه الفترة من كل عام نقطة الضوء الوحيدة في طريق مليء بالمشكلات الاقتصادية. ورغم معاناة المزارعين من ارتفاع أعباء الإنتاج وحراثة الأرض وعدم تناسبها مع أسعار بيع المحاصيل، إضافة إلى أجور العمال، إلا أن هناك إصرارا على الاستفادة من هذا المجال مهما كانت التكاليف.وتزدحم معظم حقول قرى جنوب لبنان في هذه الأيام بمزارعي التبغ، الذين ينتشرون في الوديان والسهول محولين الأرض الجرداء إلى خضراء. ويقول كبير المزارعين في المنطقة تميم جابر لوكالة أنباء شينخوا الصينية إن نبتة التبغ مصدر الرزق الوحيد لعدد كبير من العائلات في جنوب لبنان. وأكد أن زراعة هذه النبتة قانونية وذلك بناء على رخصة يحصل عليها المزارع من إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية الحكومية، التي تتولى شراء المحاصيل لتصنيعها ومراقبة توريدها منذ العام 1935. وتعد زراعة التبغ في الجنوب أساسية بالنسبة للسكان وقد وصلت مساحة الأراضي المزروعة تبغا، بحسب التقديرات، إلى نحو 75 بالمئة من إجمالي الأراضي المزروعة من هذه النبتة في كامل البلاد. وكمثال حي على حرص أبناء المنطقة على عدم إضاعة الوقت للاستفادة من إرثهم القديم، يبدأ المزارع فارس فحص مع مجموعة من أصدقائه مع ساعات الفجر الأولى في زراعة شتول التبغ في حقله المترامي عند الطرف الشرقي من بلدة كفرتبنيت التابعة لمحافظة النبطية. وأشار المزارع السبعيني، الذي يعمل في زراعة التبغ منذ نعومة أظافره لوكالة شينخوا إلى أن العمل في زراعة الشتول يتم بمعدات بدائية ولا يتوقف حتى ساعات المساء. وتضم مجموعة مزارع فحص العاملة في هذا المجال 4 رجال و5 نساء تتجاوز أعمارهم الستين يرتدون قبعات من القش لتحاشي ضربات شمس شهر يونيو القوية. ويؤكد المزارع جميل زريق أن “زراعة التبغ قديمة بجنوب لبنان وورثناها عن أجدادنا وعدنا إليها بقوة بعد تردي الوضع الاقتصادي وتراجع دخل الفرد في لبنان بشكل عام وفي منطقة الجنوب بشكل خاص”. وأوضح أن البطالة استشرت في المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية، وأن نصف الشباب دون عمل. وقال “بتنا بالكاد نتمكن من تأمين لقمة العيش، فكان التوجه لإعادة إحياء زراعة التبغ بعدما تخلى عنها حوالي 60 بالمئة من حاملي الرخص الرسمية بزراعتها”. ولخفض تكاليف زراعة التبغ، يقول المزارع جمال غندور إنهم يلجؤون إلى نظام خاص في العمل قائم بالأساس على “التبادل” و”العونة”، وهذا يعني تعاون العائلات في ما بينها لزراعة أراضيهم بدلا من استئجار العمال. وتتوزع ورشة زراعة شتول التبغ في الحقل بشكل منظم كما أوضح المزارع يحيى منصور فهناك “ضارب السكة”، الذي يتقدم فريق العمل حاملا بيده عصا حديدية قصيرة مسننة ليغرسها في الأرض مشكلا حفرة صغيرة تدعى “البوج”. وبعد ذلك يتم ملء الحفرة بالماء بواسطة خرطوم ليأتي فريق الغرس المؤلف من النساء والرجال فيقومون بغرس النبتة في الحفرة. وتقول العجوز السبعينية فاطمة أبوعلي إن نبتة التبغ هي الإنتاج الزراعي الرئيسي لأبناء جنوب لبنان، الذين يجتهدون للحفاظ عليه، في ظل تخلي الجيل الجديد عن زراعتها نحو مزروعات أكثر مردودا. وبحسب المزارع وجيه زيتون، يستمر موسم زراعة التبغ حوالي شهر، أما موسم القطاف فيستغرق فترة 3 أشهر يتم خلالها تجفيف أوراق النبتة تحت أشعة الشمس. وبعد التجفيف يأتي دور “التصفيط”، ويعني كما أشارت المزارعة فاطمة ياسين ترتيب أوراق التبغ بحسب الحجم واللون لتوضع في صندوق خشبي بطريقة منظمة يغلف بالقماش بانتظار تسليم المحصول “إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية”. وبحسب رئيس اتحاد نقابات مزارعي التبغ الحاج حسن فقيه، تصل المساحة المزروعة بالتبغ في جنوب لبنان إلى 50 ألف دونم ويبلغ إنتاجها السنوي حوالي 5.4 ملايين كيلوغرام. ولفت إلى أن 16 ألف عائلة موزعة على 781 بلدة في جنوب لبنان تعيش بشكل مباشر من هذه الزراعة التي لم تنقطع منذ أكثر من خمسة عقود من الزمن. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن زراعة التبغ تدر عوائد مالية إلى الخزينة اللبنانية كل عام بحدود 400 مليون دولار. وتضم الشبكة الاقتصادية المرتبطة بزراعة التبغ حوالي 10 آلاف شخص يبيعون منتجات التبغ، إضافة إلى 1500 موظف في إدارة التبغ وأكثر من ألف عامل موسمي. ومنذ صدور قانون في العام 1992 ينظم مهنة زراعة التبغ، لا يزال سعر الكيلوغرام من هذه المادة في السوق المحلية عند مستوى 14 ألف ليرة (9.25 دولار)، وهي أسعار ضعيفة قياسا بتكاليف الإنتاج
مشاركة :