تمثل تجارة المنتجات الوسطية أحد المتغيرات البديلة لتجزؤ الإنتاج التي تستخدمها الدراسات الاقتصادية. والسلع الوسيطة هي حاصل المنتجات نصف المصنعة وما يطلق عليه الأجزاء والمكونات. وشهدت الصادرات من السلع الوسيطة نموا قويا حتى 2013، بينما اضطربت لفترة قصيرة أثناء الأزمة المالية العالمية، لكنها أخذت تتراجع باطراد في الفترة بين 2013 و2016 . ويتأثر هذا المقياس، الذي يستند إلى قيمة الصادرات، بعدة عوامل منها أسعار السلع الأولية. وازدادت هذه الحصة بوتيرة معتدلة منذ تسعينيات القرن الـ20 ولم تبد أي علامات على التراجع منذ الأزمة العالمية. علاوة على ذلك، كما تبين دراسة Gaulier, Sztulman, and ـnal 2019، أن هذه الديناميكيات ليست نتيجة آثار التكوين القطاعي. فقد شهد قطاع الإلكترونيات تطورات متناقضة — وهو أحد القطاعات الأكثر تجزؤا في العالم، ويسهم بنسبة 40 في المائة من تجارة القطع والمكونات. فبينما انخفضت حصة تجارة القطع والمكونات من مجموع تجارة آلات المكاتب وأجهزة الحاسوب، فقد ارتفعت حصتها في معدات الاتصالات. وأخيرا، لا تزال سلاسل القيمة العالمية تتوسع في تغطية المنتجات والبلدان؛ إذ تشهد تجارة القطع والمكونات تنوعا كبيرا من حيث المناطق الجغرافية والمنتجات التي تدخل فيها عند قياسها بعدد مجموعات البلدان والمنتجات، ناقص المنتجات الجديدة. لا يبدو أن هناك علامات واضحة على تباطؤ نمو التجارة في المجالات التي يقترن معظمها بالتجزؤ. وعلى المنوال نفسه، لا توجد أدلة تجريبية تدعم الآراء التي تشير إلى أن التشغيل الآلي والذكاء الاصطناعي سيدفعان الإنتاج إلى الداخل وانخفاض حجم التجارة مستقبلا. وإذا كان لذلك دلالة، فإن الأدلة تشير إلى أن هذا التقدم سيؤدي إلى زيادة التجارة من خلال دفع الإنتاجية. وإذا لم يكن تباطؤ نمو التجارة العالمية ضرورة حتمية تمليها التكنولوجيا، فمن الممكن أن تقوم السياسات بدور رئيس في تشكيل مستقبلها. ولكن وسط الأجواء الكثيفة من عدم اليقين ورد الفعل العنيف المضاد للعولمة، يبدو أن الرغبة في تحرير التجارة آخذة في الانحسار. ومن المؤشرات على ذلك انخفاض عدد اتفاقيات التجارة الإقليمية الجديدة في 2018 إلى أدنى مستوياتها منذ مطلع تسعينيات القرن الـ20. كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ مما لا شك فيه أن زيادة عدم المساواة داخل الاقتصادات المتقدمة أسهمت في إيجاد بيئة تتقبل الحمائية إن لم تكن تنادي بها بفعالية. علاوة على ذلك، فإن الإحباط الذي استمر طويلا إزاء كفاءة أداء النظام الحالي للتجارة متعددة الأطراف أدى إلى المطالبة بالإصلاح أو حتى بتفكيك النظام. ويشكو البعض من عدم التزام كل الأطراف بالقواعد ومن أن نظام التجارة الحالي ليس عادلا. وهناك مخاوف كثيرة من الدعم الذي تقدمه الدول وحقوق الملكية الفكرية والدفع إلى نقل التكنولوجيا والتلاعب بسعر الصرف. وهناك بريق أمل في أن الاستياء ربما فتح الطريق أمام الإصلاح البنّاء ووضع تصميم أفضل للنظام التجاري مستقبلا. ويتعلق أحد مصادر عدم الارتياح بعمليات وضع القواعد وتفسيرها. وتختلف الآراء حول مدى فاعلية آلية تسوية النزاعات في الوقت الحاضر، ونطاق ضوابط الدعم، والمعاملة السليمة للمؤسسات المملوكة للدولة. علاوة على ذلك، فإن نهج منظمة التجارة العالمية التقليدي "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، الذي بموجبه يجب أن يوافق كل أعضاء منظمة التجارة العالمية على كل القضايا، أصبح قيدا عليها. فاستكمال جولة كنيدي استغرق أربع سنوات، لكن جولة الدوحة، التي بدأت في 2001، فقد وصلت إلى طريق مسدود. ومن المفارقات العجيبة أن نجاح منظمة التجارة العالمية، الذي كانت نتيجته انضمام أغلبية البلدان إلى عضويتها وتغطيتها لمعظم أنحاء العالم، أصبح أكبر تحد أمامها، لأن هذا الأمر يزيد من صعوبة التوصل إلى توافق في الآراء. وعلى الجانب الإيجابي، أدى الإقرار بهذا التحدي إلى الدفع نحو اتخاذ نهج أكثر مرونة، بما فيها الاتفاقيات محدودة الأطراف بين مجموعة من البلدان التي لديها الفكر نفسه "صندوق النقد الدولي - البنك الدولي - منظمة التجارة العالمية2018".
مشاركة :