من حيث المبدأ، فإن استقراء اتجاهات الماضي، أي افتراض أن المستقبل سيكون مطابقا للماضي، ليس بالسذاجة التي قد يبدو عليها. فعلى أي حال، غالبا ما يكون التغير بطيئا في العوامل الأساسية التي يرجح بالدرجة الأعلى أن تحدد النمو الاقتصادي "مثل جودة المؤسسات ومستوى التعليم وحيطة السياسات الاقتصادية الكلية وغير ذلك من العوامل (دراسة 1993 Easterly and others). لكن في الممارسة العملية، تشير السجلات إلى أن الاستقراء يؤدي إلى تنبؤات أسوأ. فاستنادا إلى بيانات 188 بلدا على مدى الفترة 1950 - 2010، وبملاحظة معدلات نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في فرادى البلدان من عقد إلى العقد التالي له، يتبين وجود علاقة ارتباط منخفضة بين معدلات النمو في العقود المتلاصقة مع تراوح معاملات الارتباط بين صفر و 0.5 حسب مستوى الدخل والفترة الزمنية. "كلما اقترب معامل الارتباط من القيمة 1، زاد تحرك المتغيرين في الاتجاه نفسه". حتى إذا كانت الأساسيات الاقتصادية للبلد المعني موجودة بشكل مستمر، فإن النمو الاقتصادي لا يكون مستمرا بالقوة نفسها من فترة ما إلى الفترة التي تليها، سواء كانت هذه الفترة تعرف بأنها عام أو عشرة أعوام أو 20 عاما. وفي المتوسط، يوجد احتمال 30 في المائة أن يستمر البلد في النمو بمعدل نموه الماضي نفسه، واحتمال 70 في المائة أن يتحول معدل نموه في المستقبل إلى المتوسط العالمي. ومن ثم يكون هناك اتجاه كبير يشهد فيه النمو "انتكاسة إلى المتوسط" وتقدم عدة اقتصادات آسيوية، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، أمثلة على الاقتصادات التي تباطأت فيها معدلات النمو بدرجة كبيرة على مدى نصف القرن الماضي. فهل تعبر تنبؤات الاقتصاديين بشأن النمو عن زيادة درجة "الارتداد إلى المتوسط" في بيانات النمو التاريخية؟ الإجابة هي "ليس بالقدر الكافي"، وفق الأدلة المستمدة من عينة من التنبؤات طويلة الأجل شملت 70 اقتصادا ناميا شاركت في إعدادها فرق تابعة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وعلى وجه الخصوص غالبا ما تميل تنبؤات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي نحو التحيز وزيادة متوسط النمو على مدار عشرة أعوام، وتكون أكثر استمرارية في بيانات النمو عن الفترات السابقة، وذلك مقارنة بالتنبؤات التي تأخذ في الحسبان الزيادة التقديرية في الميل نحو "الارتداد إلى المتوسط" في أنماط النمو التاريخية. وعلى سبيل المثال، بالنسبة لبلد زاد فيه نصيب الفرد من الدخل على مدار العقد الماضي بنسبة تعادل متوسط العينة "2.4 في المائة"، فإن تنبؤات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تميل نحو تسجيل نمو سنوي قدره 3.1 في المائة على مدار العقد التالي، مقارنة بنسبة 2.0 في المائة يتنبأ بها إطار "الارتداد إلى المتوسط" وبعبارة أخرى، فإن التحيز للتفاؤل يصل إلى 1.1 نقطة مئوية ويكون ذا دلالة إحصائية ويزداد وضوحا في البلدان التي سجلت أخيرا معدلات نمو سريعة. ويزداد التحيز في التنبؤات التي تغطي فترات زمنية أطول، ولنقل مثلا 20 عاما. ولا يقتصر ميل تنبؤات النمو على التفاؤل المفرط على معدي التنبؤات في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أو بالنسبة للاقتصادات النامية "وإن كانت أكثر وضوحا للاقتصادات النامية واقتصادات الأسواق الصاعدة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة. ويوجد تحيز بالدرجة نفسها في توقعات كل من منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي وتنبؤات Consensus Forecasts بالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة الرئيسة، ولا سيما الصين والهند اللتين سجلتا أخيرا أداء متميزا فيما يتعلق بالنمو. وغالبا ما يخلص جميع معدي التنبؤات على مختلف آرائهم إلى نتائج تولي اهتماما كبيرا بأداء النمو الأخير، ومع ذلك فهم يستخدمون طائفة واسعة من منهجيات التنبؤ. وعلى سبيل المثال، تعد تنبؤات الصندوق والبنك الدولي فرق تعمل على سبيل التفرغ لكل بلد على حدة، وتتمثل تنبؤات Consensus Forecasts في تنبؤات متوسطة تعدها مجموعة مختارة من معدي التنبؤات يتبعون بلدانا على حدة، وتستند توقعات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى نموذج واحد متطور وموثق بشكل جيد تشترك فيه جميع البلدان "ومن ثم يرجع بدرجة أقل ليتأثر بقرارات ذاتية لمعدي التنبؤات"... يتبع.
مشاركة :