تظهر كثيرًا على الأطفال تصرفات عفوية لا يعرف ضررها إلا بعد الكبر، ومن تلك التصرفات السرقة، فالطفل لا يدرك تمامًا مفهوم السرقة وأضرارها على المجتمع. ويتعلم الأطفال أن السرقة عمل خاطئ إذا وصف الآباء والأمهات هذا العمل بالخطأ وعاقبوا أطفالهم في حال الاستمرار في ممارسته. ويسلط هذا التقرير الضوء على هذه الظاهرة وأسبابها وكيفية علاجها، حيث تقول الدكتورة التربوية بيان وجيه الطنجير وفقًا لـ”سبق”: معرفة أية مشكلة تمثل نصف الطريق نحو حلها, والاعتراف بها هو الخطوة الأولى في النصف الآخر من الطريق، يفاجأ الأبوان بأن طفلهما قد قام بسلوك غير متوقع، أخذ ما هو ملك لشخص آخر دون إذن أو إعلام (أي سرق)، هنا تختلف ردة فعل الأبوين نحو الموقف بين أسرة وأخرى، لكن ما يجب أن يسود الموقف بداية هو الهدوء والبعد كل البعد عن العصبية ومواجهة الموقف بجدية وبسرعة، فلا يستحسن التأجيل أو التساهل ولا المبالغة في ردة الفعل، مثل اتهام الطفل بالسرقة أو التشهير بفعله هذا. وتضيف: “ثم يتابع الأبوان دورهما فيقوم أحدهما بالتحدث إلى الطفل وإفهامه الموقف لمعرفة الدوافع والأسباب فربما يكون السبب أن الطفل لا يدرك وصف ما قام به ولا يعرف نظرة الدين والأخلاق تجاه السرقة أو لا يدرك تمامًا أضرارها أو موقف القانون. وتتابع: “كثيرًا ما تكون البيئة التي يعيش فيها الطفل منبتًا يساعد على نمو تلك السلوكيات، كالبيئة التي يسودها الفقر والعوز أو غياب الوالدين أو قسوة أحدهما، هذه القسوة تولد شعورًا بالكبت يجد الطفل في عملية السرقة مخرجًا يثبت من خلاله استقلاليته وحرية التصرف ويعوض ولو بشكل رمزي الحب الوالدي والاحترام المفقودين. وفي بعض المواقف تكون السرقة هروبًا من عقوبة هدد بها الأهل، كالطفل الذي يسرق قلم زميله لأن قلمه كسر أو ضاع ولم يحافظ عليه. وتبين “الطنجير” أن الطفل يحاول أحيانًا أن يثبت لأقرانه أنه الأقوى بينهم أو القادر على مجاراة بعضهم، فيقوم بالسرقة وخاصة إذا كان الطفل منخفض الذكاء، عندها فإن وقوعه تحت سيطرة أقران يوجهونه أمر في غاية السهولة. وربما يحصل الأمر حبًا في المغامرة، مثل سرقة ثمار المزرعة في غياب حارسها. وقد أقر خبراء التربية في هذا الصدد وجود عوامل بيولوجية، أي مورثات يمكنها الانتقال من الآباء إلى الأبناء. أما عن سبل التخلص من هذا السلوك توضح: “فإن ذلك يبدأ ببلورة مفهوم السرقة لدى الطفل فيجب أن يتعلم أنه سلوك خاطئ يستوجب العقاب ولابد من إعادة المسروق مع الابتعاد عن العقاب البدئي حفاظًا على سلامة البناء النفسي وكي لا يلجأ الطفل إلى الكذب وعدم إثارة الموضوع بعد الانتهاء منه، لأن السرقة سلوك سلبي منحرف مكتسب يمكن التغلب عليه، أما إذا تحول إلى عادة لازمت الطفل إلى ما بعد سن العاشرة فيجب استشارة مختص والقيام بجلسات علاجية سلوكية. وللوقاية من الوقوف أمام مشكلة السرقة عند الأطفال تنصح بضرورة حرص الأهل على حضور جلسات توعوية حول طرق الترية تفاديًا لتنشئة خاطئة وتوفير جو أسري لا تمييز فيه بين الأبناء والسعي إلى إشاعة الدفء العاطفي والطمأنينة وتنمية روح التعاون وتجنب الأنانية وضرورة التفريق بين الملكية الخاصة والملكية العامة من خلال الألعاب، الملابس والأدوات المدرسية… كما طالبت بمتابعة سلوكيات الطفل وأقرانه المقربين منه ومراقبة ما يتابع في وسائل الإعلام التي تبرز البطل الذي يجذب الأنظار في صورة اللص أو المحتال واللجوء إلى القصص التي تعزز قيمة الأمانة ومراقبة الله وعدم ترك المال في متناول الأطفال، فالطفل لا يمتلك النضج الكافي لمقاومة إغراء المال مع عدم المبالغة في التحفظ عليه، لأن ذلك يولد حب الاستطلاع. من جهة أخرى تقول الباحثة الاجتماعية هديل البقمي وفقًا لـ”سبق” إن الأطفال يسرقون لعدة أسباب وقد لا يعرف الطفل أن هذا التصرف غير صحيح فيتنادى به إذا لم يعاقب أو يتعلم أنه خطأ، ومن الأسباب يمكن أن يوجد لدى الأطفال نقص في بعض الأشياء، وبذلك يضطر للسرقة لتعويض ذلك النقص، والبعض من الأطفال تؤثر عليهم البيئة التي يعيشون بها، وخاصة إذا كان أحد الوالدين متوفى، أو كان الوالد مدمنًا على الكحول أو أن تكون البيئة نفسها فقيرة، وهذه عناصر تساعد الطفل على أن يسرق لزيادة شعوره بالنقص في مثل هذه الظروف. وأضافت البقمي أن شعور بعض الأهل بالسعادة عندما يقوم ابنهم بسرقة شيء ما، وبهذا يشعر الطفل بالسعادة ويستمر في عمله ويعتقد أنه عمل جميل وغير مؤذٍ، فيتطور معه، كما أن بعض الأطفال يقومون بعملية السرقة لإثبات أنهم الأقوى، خصوصًا أمام رفقاء السوء، ولعلهم يتنافسون في ذلك، وبعضهم يشعر بمتعة هذا العمل. وعن طرق الوقاية تقول البقمي: “على الأهل أن يعلموا الأطفال القيم والعادات الجيدة والاهتمام بالوازع الديني الذي يحرم مثل تلك التصرفات، والاهتمام بذلك قدر الإمكان، نشوء الطفل في جو يتسم بالأخلاق والقيم الحميدة يؤدي إلى تبني الطفل لهذه المعايير. يجب أن يكون هناك مصروف ثابت للطفل يستطيع أن يشتري به ما يشعر أنه يحتاج إليه فعلاً، حتى لو كان هذا المصروف صغيرًا، تنمية وبناء علاقات وثيقة بين الأهل والأبناء علاقات يسودها الحب والتفاهم وحرية التعبير.
مشاركة :