كارل بوبر يهوي بمطرقة النقد على الماركسية

  • 6/22/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود هل تذكرون رائعة جابرييل جارثيا ماركيز «خطبة لاذعة ضد رجل جالس» هي المسرحية التي قام بتأليفها عبقري الرواية العالمية، والتي تتناول امرأة تظل تحدث زوجها لساعات طويلة في عيد زواجهما، وتكيل له الانتقادات؛ لكنه لا يعيرها أي اهتمام، ويظل منشغلاً بصحيفة، الأمر الذي يزيد من جنون الزوجة التي تحتد وتصرخ؛ ولكن لا حياة لمن تنادي، يغلق الرجل أذنيه وقلبه تماماً، والعمل يعتمد على منولوج واحد هو حديث الزوجة الصارخة. المثير في العمل هو العنوان «خطبة لاذعة ضد رجل جالس»، والذي هو عتبة نصية تحتشد بالسخرية والروح النقدية، فهي خطبة طويلة ضد رجل «جالس»، متخشب، لا يتميز بالحيوية، ولعل ذات الخطبة بكل تفاصيلها تلك تصلح أن تكون عنواناً للنقد اللاذع الذي قدمه الفيلسوف النمساوي كارل بوبر، ضد الماركسية عندما تعامل معها كنظرية صماء تمثل خطراً على أي مجتمع مفتوح. وفي كتاب «المجتمع المفتوح وأعداؤه»، الذي صدر عربياً عن دار التنوير، بترجمة السيد نفادي، لا يكتفي كارل بوبر بنقد الماركسية فقط، وإن كان قد منحها الحظ الأوفر من المراجعة المعرفية؛ بل يهوي بمطرقة غليظة على جميع الأفكار التي روجت للشمولية، وأنتجت مجتمعات مغلقة من لدن أفلاطون وحتى هيجل وصولاً إلى فاشيات القرن العشرين، مروراً بالماركسية وغيرها من الفلسفات السياسية المغلقة، في محاولة عميقة منه لمراجعة مجمل الثقافة والفكر الغربي، من أجل الوصول إلى غايته الفكرية، وهي الدعوة لسيادة قيم المجتمع المفتوح، ضد اليوتوبيات والتهويمات والأفكار المحلقة في فضاء من الخيال المحض، والتي تمهد للمجتمع المغلق، والذي يشبهه بوبر بالقطيع، فهو وحدة شبه عضوية، يرتبط أعضاؤها ببعضهم بروابط شبه بيولوجية، كالنسب والعيش المشترك والمصير الواحد، فالكتاب يقدم رسماً كاريكاتورياً لهذه المجتمعات بكوميديا قاتمة تضع القارئ أمام المصير المظلم الذي وصلت إليه الإنسانية؛ بفضل هذه المغامرات الفكرية، وعلى العكس من ذلك؛ فإن المجتمع المفتوح هو الديموقراطي الذي يتسم بالمنافسة على المكانة بين أعضائه. وفي الكتاب، يتناول بوبر مفهوم السلطة، فيبدأ بأفلاطون وسلطته الأخلاقية ذات المبادئ، والتي حاول أن يحققها في حلم «المدينة الفاضلة»، ثم ينقض على كل الأفكار التي حاولت أن تتنبأ بالمستقبل، فهو يرى أن ذلك يتعارض بشكل مطلق مع ما يجري في الواقع، وأن هذه الأفكار هي عبارة عن أحلام شاعرية ذات جمالية عالية؛ لكنها تنتج في حال تمثلها ديكتاتوريات، مثلما حدث مع أفكار هيجل وتعبيراته عن المطلق، ويرى بوبر في كل تلك الأفكار أنها تعد أحلاماً يجب محاربتها لمصلحة فكر واقعي، ويقدم مقترحاً يسميه ب«الهندسة الاجتماعية»، التي تقدم نفسها كبديل واقعي للأفكار الخيالية. ويرى بوبر أن الانتقال من المجتمع المغلق إلى المجتمع المفتوح، هو الثورة الأكثر عمقاً في مسار التاريخ البشري، هي ثورة ما تزال في بدايتها، رغم أن الإغريق هم من بدأ بها، لكن الأفكار الشمولية ظلت على الدوام تعترض طريقها، بالتالي تقف حجر عثرة أمام سيادة العقل والتفكير الحر، الذي يقود إلى المجتمع المفتوح والتغلب على مشكلاته عبر تطبيق طرق العلم النقدية والعقلانية، وتحليل مبادئ إعادة البناء الاجتماعي الديموقراطي، أو ما يسميها بوبر ب«الهندسة الاجتماعية المتدرجة» في مقابل «الهندسة الاجتماعية اليوتوبية»، وحتى حدوث ذلك الأمر؛ فإن بوبر يمهد الأرض بنقد صارم عقلاني ضد كل الأفكار الشمولية وبصورة خاصة الماركسية. ولعل الفكر الماركسي هو أكثر الأفكار التي واجهها بوبر بنقد حاسم ولاذع في ذات الوقت، فهو قد حرر كل طاقاته الفكرية ووظفها في هذا الجانب، ويرى الكتاب أن خطورة الفكر الماركسي تكمن في أنه جذاب وساحر؛ بحيث يجعل الإنسان يتعاطف مع «الرونق المدهش»، على المستويين الأخلاقي والذهني، للأفكار الماركسية، فهي قد أفلحت في مخاطبة قلق الإنسان وأسئلته فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية والمساواة، فالماركسية بالنسبة لبوبر هي ضرب من القوى السحرية الغارقة في الخيال والمبشرة بمجتمع خيالي يجد فيه البشر الراحة والسعادة بعد طول عناء وصراع، فلابد من هزيمتها فكرياً حتى يتشكل المجتمع المفتوح الذي يُطلِق قوى الإنسان النقدية ضد الشموليات التي هي ضد الحضارة.

مشاركة :