لا يرجع الفضل إلى كارل بوبر في أنه كان أحد فلاسفة العلم البارزين، ولا لأنه كان أحد المدافعين العُتاة عن التنوير والوقوف في وجه أعدائه ونقاده، وإنما لأنه غيّر طريقة تفكيرنا، يكفي أن نطالع كتابه «منطق الاكتشافات العملية»، أو أن نطلع على نظريته حول القابلية للتكذيب والدحض.. إلخ؛ لنتأكد من أننا أمام فيلسوف من طراز فريد. واللافت في سيرة حياة بوبر ومعاركه الأكاديمية أنه شن حربًا ضد الجميع تقريبًا، بما في ذلك ثيودور أدورنو وغيره، وحقيق به أن يفعل ذلك؛ فالأفكار التي طرحها كانت ثورية، وسابقة على عصره. ونلاحظ أن كارل بوبر لم ينتم إلى أيديولوجية فكرية على الدوام، وإنما هاجم كل المنظومات الفكرية تقريبًا، بداية من الوضعية المنطقية، مرورًا بالماركسية، وحتى المذهب التاريخي ولنا أن نطالع كتابه المهم في هذا الصدد «عقم المذهب التاريخي». رحل هذا المفكر الفذ والفيلسوف المجدد عن عالمنا في السابع عشر من سبتمبر عام 1994م، وبهذه المناسبة يرصد «رواد الأعمال» طرفًا من سيرة حياته وإنجازاته، وذلك على النحو التالي: اقرأ أيضًا: ميشيل بوتور.. أحد أهم رواد الرواية الجديدةوُلد كارل بوبر بالعاصمة النمساوية في فيينا في 28 يوليو 1902.كان والده سيمون سيجموند كارل بوبر؛ وهو محامٍ ثري وناجح، والدته جيني شيف من أصل سيليزي هنجاري.كان كارل أصغر إخوته، واعتمد والداه في تربيته على درجة عالية من الثقافة. كان منزلهم مكتظًا بالكتب القيمة، إضافة إلى أنهم عائلة تُقدر الموسيقى الكلاسيكية.في عام 1917، عاد إلى المدرسة بعد مرض طويل.في أواخر عام 1918، بلغ 16 عامًا، غادر المدرسة ودرس في جامعة فيينا وخطط لحضور الكثير من المحاضرات التي ظنها مهمة.أصبح كارل بوبر ماركسيًا، وبحلول 1919، وكان عمره 17 عامًا، تحول إلى الشيوعية؛ ظنًا منه أن هذه العقيدة قد تقدم أفضل وسائل لإنهاء مشقة مواطني فيينا.لكنه سرعان ما تخلى عن هذه الأيديولوجية، وظل داعمًا لليبرالية الاجتماعية طوال حياته.حصل على دبلوم التدريس في المدارس الابتدائية في عام 1925، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة عام 1928 تحت إشراف كارل بوهلر.بحلول عام 1929، كان بوبر مؤهلًا لتدريس الرياضيات والفيزياء في المدرسة الثانوية.تزوج بوبر من جوزفين آنا هيننجر في عام 1930م، سوى أنهما لم ينجبا أطفالًا، وتوفيت آنا عام 1985.في عام 1934، نشر كتابه الأول “منطق الاكتشافات العلمية” الذي انتقد فيه علم النفس، والاستقراء، والوضعية المنطقية.بعد ظهور النازية وتهديد آنشلوس عام 1937 هاجر بوبر إلى نيوزيلندا. في نيوزيلندا، أصبح محاضرًا في الفلسفة في جامعة كانتربري.انتقل بوبر إلى إنجلترا عام 1946 ليصبح محاضرًا في المنطق والمنهج العلمي في كلية لندن للاقتصاد.في عام 1946، أسس قسم الفلسفة و المنطق والمنهج العلمي في كلية لندن للاقتصاد.وفي عام 1949، تم تعيينه أستاذًا للمنطق والمنهج العلمي في جامعة لندن.وخلال الفترة من 1958 إلى 1959 شغل بوبر منصب رئيسًا للجمعية الأرسطية. في عام 1965 حصل على لقب فارس من قِبل الملكة إليزابيث الثانية.وفي عام 1959 تقاعد من الحياة الأكاديمية لكنه ظل نشطًا فكريًا طوال حياته وانتخب كزميل للجمعية الملكية عام 1976.في عام 1982، تم منحه وسام زميل شرف، وكان أيضًا عضوًا في الأكاديمية الإنسانية.عقد كارل بوبر صداقات طويلة ومؤثرة مع مؤرخ الفن إرنست غومبرتش؛ وعالم الأحياء بيتر ميداور؛ وعالم الأعصاب جون كارو إكليس. وكان المستثمر الملياردير جورج سوروس أحد طلابه في كلية لندن للاقتصاد، وينسب لـ “بوبر” استراتيجيته الاستثمارية.توفي كارل بوبر بالمملكة المتحدة عن عمر يناهز 92 عامًا بسبب السرطان في 17 سبتمبر 1994. اقرأ أيضًا: معلومات عن روالد دال محطات في حياة كريستيان ديتريش جرابه بيتر بروخل الأكبر.. الطبيعية كموضوع فني