يحفل كتاب الغزو في الزمن العابس - وهو من منشورات ذات السلاسل - لمؤلفه عبد الله بشارة بأحداث تاريخية مهمة عاشتها الكويت، منها ما يتعلق بتعاطي العراق مع الكويت منذ العهد الملكي حتى عهد صدام حسين، ومنها تعامل الكويتيين مع هذه الأحداث وتطاولات صدام المتكررة على الكويت، التي وصلت إلى ذروتها في قراره الجنوني بغزوها في أغسطس 1990، معتقداً أنه سيدخل أبواب التاريخ كزعيم حقق أحلامه في ضمّها واعتبارها المحافظة العراقية التاسعة عشرة. ويسجل الكتاب الموقف الوطني الغاضب الذي تجسد في مؤتمر المبايعة التاريخية في جدة، أكتوبر 1990، الذي أكد فيه الشعب الكويتي تمسكه بالنظام السياسي والشرعي، ممثلاً بأميره الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح. جاء الكتاب في ثمانية فصول تشتمل على مادة تاريخية تبرز الادعاءات العراقية وأحداث الغزو، مسجلاً الافتراءات التوسعية التي تستهدف الدولة الوطنية الكويتية. ويعرض الكاتب هذه الأحداث موثقة بالتواريخ الدقيقة، مستنداً إلى المصادر العربية والعالمية، إضافة إلى شهادات المسؤولين المعاصرين في وسائل الإعلام، وما نشرته الصحافة في هذا الشأن. وفيما يلي تفاصيل الحلقة السابعة: بدأت الاتصالات بين حكومة الكويت في الطائف وتجمعات الجالية الكويتية المنتشرة من أجل عقد المؤتمر الشعبي الجماعي يحدد فيه الكويتيون مستقبلهم، ويتحدثون عن الأسس التي تربطهم بالنظام السياسي الذي يجمعهم، وتآلفوا حوله وجسدوه في دستور معبر عن التوافق الجماعي. وبدأت ملامح الطريق إلى مؤتمر جدة تتضح مع تكثيف الاتصالات، واتخذت الكويت خطا ملتزما لتحقيق التحرير، فبعد القمة العربية، واستقالة الأمين العام للجامعة الشاذلي القليبي، وانهيار المنظومة السياسية العربية، كثفت الكويت التواصل الثنائي مع الدول العربية الداعمة لقرارات القمة بالزيارات المتكررة، سواء تلك التي قام بها الشيخ سعد العبدالله السالم ولي العهد ورئيس الوزراء أو عن طريق مبعوثين خاصين. مؤتمر وطني جامع وجرت اتصالات مكثفة بين الطائف، حيث حكومة الكويت، وبين عدد من الشخصيات الكويتية الممثلة للاطياف والمجتمع الكويتي، وتم الاتفاق عبر التواصل بين التجمعات المختلفة على عقد مؤتمر جماعي تتم فيه مناقشة حرة حول النظام السياسي بعد التحرير الذي يجب أن يجدد قراره في بيعة للشرعية التاريخية التي حكمت الكويت منذ 1756م، وعلى أساس مفهوم الشرعية الدستورية المنبثقة عن دستور عام 1962م، وأن تشكل حكومة تحرير من ائتلاف وطني يضم جميع الشرائح، وتوصلت المشاورات إلى عقد المؤتمر الوطني الجماعي يوم 13 أكتوبر 1990م في مدينة جدة. وقد بدأ المؤتمر التاريخي بمشاركة 1300 مواطن من الجهات والاتجاهات والفئات المختلفة، تحت شعار «التحرير شعارنا». وألقى سمو الشيخ جابر الأحمد كلمته مفتتحا المؤتمر، أشاد فيها بالدعم غير المحدود من المملكة العربية السعودية، ومن العرب الصادقين، ومن الأصدقاء، كما عبّر عنها مواقفهم في الأمم المتحدة، وحيا صلابة الكويتيين تحت الاحتلال ومقاومتهم للغزو، مشيرا إلى إعجاب العالم بصمود الكويتيين، والى أن النظام العراقي لم يفهم طبيعة الجبهة الداخلية الكويتية، وظن أن في اجتهاد بعض الكويتيين في ترتيب البيت الداخلي فرصة يستفيد منها. وشدد سمو الأمير على أن التحرير هو الهاجس الشاغل، وان كويت المستقبل أكثر شموخا واستقرارا وأمنا، وتضحيات الكويتيين ستكون ركائز قوية وصلبة لانطلاقة كويتية وثابة في جميع المجالات، وكان سموه يتحدث بتأثر مع هتافات عالية ومدوية ومصممة على التحرير، ودعا لخادم الحرمين الشريفين. صوت كويتي موحد خرج مؤتمر جدة بصوت كويتي موحد في تأكيد الشرعية، وفي رفض الغزو والإصرار على التحرير، وفي مواصلة المقاومة، وفي معارضة أي تسويات يشتمّ منها مكافأة لنظام صدام حسين مهما كان صغرها، وسعت آليات الإعلام الكويتي إلى إيصال نتائج المؤتمر إلى كل جهات العالم، مستفيدين من الأعداد الضخمة للصحافيين المدعويين خصوصا الغربيين الذين كنت ألتقي بهم باستمرار خلال تلك الأيام. المسار التاريخي نحو التحرير مع بداية شهر نوفمبر 1990م، وتعاظم الوجود العسكري للحلفاء على أراضي المملكة العربية السعودية، وفي المناطق القريبة من الكويت، بدأت تباشير التحرير تتقاطر علينا مع الجولة التي قام بها وزير خارجية الولايات المتحدة جيمس بيكر العالمية، لحشد الدعم للقرار الذي ستتقدم الولايات المتحدة به إلى مجلس الأمن ليشكل انتقالا في مسار تعامل المجلس مع الغزو من الرفض والإدانة والحصار إلى قرار الحسم، حيث زار الوزير بيكر كلا من موسكو، ولندن، والرياض، والقاهرة، وتركيا، والبحرين، وصنعاء، ثم توجه إلى لوس أنجلس لمقابلة وزير خارجية ماليزيا التي كانت عضوا في المجلس، ومنها إلى بوغوتا عاصمة كولومبيا لمقابلة رئيسها. في العشرين من نوفمبر 1990م بدأت ثمار جهود الوزير بيكر تظهر للعلن، فقد ذكرت مصادر مقربة منه ان موسكو وعدت واشنطن بأنها لن تمارس حق الفيتو ضد قرار من مجلس الأمن، الذي يخول المجلس استخدام القوة لإرغام العراق على الانسحاب من الكويت. في 22 نوفمبر 1990م، اجتمع سمو الشيخ جابر الأحمد أمير الكويت مع الرئيس بوش في مدينة جدة، حيث كان الرئيس الأميركي في زيارة يتفقد فيها القوات المسلحة الأميركية، كما التقى الرئيس بوش مع خادم الحرمين الملك فهد، وصدر بيان عن اجتماعهما يذكر أن البلدين متفقان على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وقرارات القمة العربية بشأن الانسحاب الفوري والكامل للقوات العراقية وعودة الشرعية، وبدون أي شروط سابقة، مع حرمان المعتدي من جني أي مكاسب نتيجة عدوانه. وفي 25 نوفمبر أعلن بيكر وزير الخارجية الأميركي أن مجلس الأمن سيعقد اجتماعا يوم الخميس 29 نوفمبر على مستوى وزراء الخارجية يسمح باستخدام القوة لفرض الانسحاب العراقي من الكويت. وتوجه سمو الشيخ صباح الأحمد إلى نيويورك لحضور الجلسة التاريخية، وذهبت بمعيته، وفي يوم 28 نوفمبر أعلنت بريطانيا ان الدول الدائمة العضوية اتفقت على صيغة مشروع قرار يسمح باستخدام القوة ضد العراق إذا لم ينسحب من الكويت، ويتيح المشروع للعراق زمنا لكي ينسحب من الكويت خلال مدة حددها منتصف يناير 1991م. لا أنسى ذلك اليوم غير العادي الذي سيصوت المجلس فيه على قرار التحرير، حيث كانت قاعة مجلس الأمن ممتلئة بأعضاء الوفود، الكل كان متحفزا لقرار غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة غير حالة واحدة حدثت عام 1951 في كوريا، عندما أرسلت الأمم المتحدة قوات تصد غزو الشمال لجنوب كوريا، ترأس الاجتماع جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة، وشارك معظم وزراء خارجية الدول الأعضاء ما عدا اليمن وكوبا. وكان أول المتحدثين سمو الشيخ صباح الأحمد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، وكان هادئا بإلقاء متميز يتناغم مع المناسبة، كما ألقى كلمة شكر بعد تبني القرار اختتمها قائلا: «سأدعو إلى شعب الكويت لأنقل له ما شاهدته معكم ولمسته فيكم، وما عرفته من مداولاتكم، قريبا سيعبر شعب الكويت إلى دنيا النور والأمل، بعد أن قلتم جميعا إن عهد الظلام اختفى». وأهم ما في القرار هو الإصرار على عدم إعطاء أي مكافأة مهما صغرت للمعتدي، كما يتضح التصميم على تحرير الكويت سلميا بالانسحاب التام وعودة الشرعية، أو بالقوة إن كان ذلك ضروريا. القرار 678 منذ صدور القرار 678 في 29 نوفمبر 1990م، تبدلت معنويات شعب الكويت، ففي الداخل برزت خيوط الإنقاذ بآليات عالمية وبقرار دولي جماعي وبإرادة حاسمة وقرار عازم، ومع حكومة الكويت في الطائف تصاعدت آليات التنسيق بين التحالف الدولي وحكومة الكويت مع إعداد الترتيبات اللازمة للتحرير وتهيئة الأجهزة لعودة مئات الألوف من الكويتيين الذين تشردوا في العالم، كما بدأت المشاورات حول تنظيم دخول قوات التحالف الى الكويت والتنسيق مع التحالف العربي الذي كان الفريق خالد بن سلطان يتولى قيادته. كما ظهرت بوادر تخطيط الإعمار وإعادة البناء، واستعادة النشاط الاقتصادي والانطلاق إلى السياسي والدبلوماسي. ولم يدخر مؤيدو صدام جهداً لإنقاذه، حيث سعى علي عبدالله صالح رئيس اليمن المتفاعل مع صدام بتقديم أفكاره بحل عربي مملوء بالأفكار المضطربة، غايتها إنقاذ صدام حسين، ولم تكن لها أي قبول. أوهام صدام تمحورت النقاشات بين صدام والقيادات العراقية خلال شهر نوفمبر 1990م حول التدخل الأميركي لتحرير الكويت وموعده ومشاكله وضرورة التحضير له، ورغم بعض التباين في قراءة الأحداث فإنها تتفق على أن العراق سيخرج منتصراً، وان الولايات المتحدة لا تتحمل التضحيات البشرية الكبيرة المثيرة للرأي العام الأميركي، كما أنها اتفقت على الانصياع إلى تحليلات القائد صدام حسين الذي يتحدث علناً عن قدرة العراق على تسجيل نصر غير مسبوق على الائتلاف الدولي، في حين يؤكد الواقع أن صدام ومساعديه يعانون توترات المستقبل المجهول، والشعور الخفي بحتمية الهزيمة. ورغم تكرار اليقين بالنصر فإن المسؤولين العراقيين أصبحوا قريبين من الحقائق، خصوصا عندما حان موعد نهاية الإنذار في 15 يناير 1991م، وفق قرارات مجلس الأمن. في آخر أغسطس 1990م، رفعت المخابرات العراقية تقييمها للموقف الدولي فيه إشارة إلى أن الموقف الاميركي المدعوم من الاتحاد الأوروبي، مسنودا بقرارات مجلس الأمن، لن ينتظر إلى بروز تأثير الحصار على مواقف العراق، إنما سيلجأ إلى القوة، لذلك لابد أن يكون الدفاع عن الكويت منسجما مع هذا التقييم. في شهر نوفمبر 1990م اجتمع صدام حسين مع علماء العراق للبحث عن آليات تضعف فاعلية صواريخ الولايات المتحدة مع تقوية وسائل التعتيم والتخفي، فكانت الحصيلة تأكيد فوائد التعبئة الدفاعية مع وقف الاتصالات الإلكترونية والهاتفية، واعتماد المراسلين كبديل، مع التوسع في بناء الملاجئ وتعميقها. وفي الإجراءات الدفاعية البحرية كان اهم ما لدى العراق الألغام البحرية التي لم يكن يملك كثيرا منها، وحاول تصنيعها في الداخل، ثم التوسع في اللجوء إلى النفط وضخه في بحر الخليج كعائق ضد السفن الحربية. كان صدام مقتنعا بتأثير ضخ النفط برا وبحرا كرادع مع التحصينات والخنادق، وتطوير طرق الخداع والتنكر، مع اللجوء إلى دبابات مدمرة وسيارات محطمة، يتوهم التحالف أنها سليمة وفعالة، ومع كل هذه المظاهر الاحترازية تم سحب الحرس الجمهوري من مسرح الكويت الى الحدود لتركيز أكبر عدد من الجيش التقليدي على الحدود الكويتية- السعودية، أما الطيران فقد كان حريصا على الحفاظ على طائراته مع البحث عن فرص قد تبرز، يساعد فيها القوات البرية المتلقية لضربات الحلفاء. وفي 15 يناير 1991م اليوم الأخير من إنذار التحالف الدولي للقوات العراقية زار صدام حسين القوات العراقية في الكويت، وهو بمعنويات عالية، وحين زار أحد المقرات الميدانية للحرس الجمهوري وجه سؤالا إلى الفريق الركن إياد فتيح الراوي قائد الحرس الجمهوري عن نسبة توقعه للهجوم الذي انتهت مدة إنذاره اليوم، فأجابه إن الهجوم المعادي يقع باحتمالية لا تزيد على واحد بالألف، ويقول المؤلف ان هذا التأكيد استبعاد غير منطقي للحرب ناتج عن الملاحظات السياسية لحسين كامل وعلي حسن المجيد اللذين كررا كثيرا عبارة «إن الحرب لن تقوم». بدء القصف الجوي ومع بدء فصل القصف الجوي بدأت قيادة صدام حسين تتحسس الخطر الذي سيداهمها، وتتوجس من النتائج التي ستفرزها هذه المخاطر، بعد إغلاق المساعي السياسية بدأ صدام حسين وحزبه يضعان الخطط لمعالجة هذا الوضع الذي لم يتوقعه، فكانت الاجتماعات القيادية التي شارك فيها كبار الضباط تقدم معلومات عن مسرح العمليات في الكويت مرتبكة لا علاقة لها بالواقع فيها تضليل ومبالغات وإخفاء للحقائق. في آخر يناير 1991م أمر صدام حسين ما تبقى من سلاح الطيران بالهروب إلى إيران، ويتكون من 18 طائرة ميراج، و9 سيخوي، وواحدة فالكون، بلغ مجموع الطائرات التي لجأت إلى إيران في بداية المعارك وفي نهايتها 137 طائرة، اعترفت إيران بوصول 21 طائرة فقط، والباقي تم طلاؤها بألوان سلاح الطيران الإيراني. بلا شك إن ارسال الطائرات الى إيران حماية من الدمار يتفق مع استراتيجيته في حرب يريد إطالتها إلى أكبر قدر لإيمانه بسقوط ضحايا من الحلفاء، مما يؤثر في المعنويات، وبالتالي القرار السياسي، كما بدأ في تلك الفترة بالتقليل من إطلاق المدفعية والصواريخ لكي لا تنتهي الذخيرة دون إصابات في التحالف. وتكشف الفترة بين نهاية يناير ومنتصف فبراير 1991م انهيار معنويات الجيش المرابط في الكويت بسبب ضربات الطيران المتواصلة من الحلفاء وانقطاع الامدادات من العراق معيشية او عسكرية وقلة الذخيرة مع ندرة المياه، وقلة الطعام وفقدان الأمل في المستقبل، كما بدأت تظهر العصبية في بيانات العراق في نشر شائعات عن ابتعاد القوات الأميركية عن الجبهة، خوفا من ارتفاع الضحايا من الأميركيين، وبقاء القوات العربية السورية والمصرية والسعودية وحيدة على جبهة القتال في مسعى للتفرقة، وادخال الانقسام داخل التحالف، كما بدأت بغداد تنشر مبالغات عن القتلى في إسرائيل من جراء الصواريخ المتواصلة. سعد العبدالله يرسم مستقبل الكويت في المؤتمر الوطني تحدث في المؤتمر سمو الشيخ سعد العبدالله ولي العهد ورئيس الوزراء في خطاب شامل موجه لأهل الكويت وللعرب والعالم، ورسم فيه طريق المستقبل، وحدد 4 نقاط: 1 - سيادة الكويت واستقلالها وسلامة أرضها مسألة غير قابلة للتفاوض أو المساءلة. 2 - لا نقبل أي حل يقل عن التنفيذ الكامل لقرارات مؤتمر القمة العربي الطارئ في القاهرة وقرارات مجلس الأمن التي دعت الى الانسحاب الفوري غير المشروط من جميع الأراضي الكويتية، وأكدت دعمها لعودة السلطة الشرعية لدولة الكويت. 3 - تحتفظ الكويت بحقها في طلب التعويض من النظام العراقي عن كل ما ألحقه من أضرار مادية ومعنوية وكل ما سلبه من اموال الكويت. 4 - إن انسحاب القوات العراقية غير المشروط من جميع الأراضي الكويتية يجب أن يسبق أي محاولات لتسوية الخلافات التي افتعلها النظام العراقي قبل عدوانه على الكويت مباشرة، أو أي مسائل اخرى كانت معلقة بين الكويت والعراق قبل الغزو. الصقر يحدد نيابة عن أهل الكويت الثوابت الرئيسة للكويت المحررة ألقى عبدالعزيز الصقر السياسي البارز والشخصية القيادية، نيابة عن أهل الكويت، كلمة في جدة حدد فيها الثوابت الرئيسة التي يجب ان تكون الأساس لإعادة بناء الكويت المحررة، وابرز في كلماته ما يلي: «في لقاء كهذا رسمي الدعوة شعبي الاستجابة، ليس الهدف أبداً مبايعة آل صباح في ذلك، لأن مبايعة الكويتيين لهم لم تكن يوما موضع جدل لتؤكد، ولا مجال نقض لتجدد، ولا ارتباطا بموعد لتمدد، بل هي بدأت محبة وانسياقاً، واستمرت محبة واتفاقا، ثم تكرست دستوراً وميثاقاً، ولقد أثبت الشعب الكويتي في أصعب الظروف وأشدها خطراً وفاء لوعده والتزامه بكامل دستوره وعقده، حين تمسك بشرعيته، ووقف وقفة الرجل الواحد وراء أمير البلاد وولي عهده، فسجل بذلك رائعة نادرة في التاريخ، وكسب بها احترام العالم، وأجهض خلالها أحلام الغزاة، بل استطاع أن يؤكد أن الإجماع الشعبي الكويتي في التمسك بالشرعية كان عاملا حاسما في تحقيق الإجماع العالمي غير المسبوق بتأييد الكويت». ويضيف المرحوم عبدالعزيز الصقر: «المشاركة الشعبية القائمة على حرية الحوار وأغلبية القرار ورقابة التنفيذ والمشاركة الشعبية التي ندعو اليها في الكويت لا تحتاج الى تنظير وتأطير، فهي واضحة المعالم، والأسس والمؤسسات في دستور البلاد الذي تفضلتم سموكم بالإشارة اليه، ويمكن أن تؤدي دورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي دون تجاوز، ورسم حدود كل طرف من أطرافها دون ازدواجية، بمجرد الالتزام الصادق والتطبيق الواعي لدستور عام 1962م بكامل بنوده ومواده، لأنه يحتاج إلى قيادة سياسية كويتية النسيج والنموذج، تنسجم مع مقدسات المجتمع الكويتي وسلامة العقيدة، البيت الكويتي الجديد يجب أن يركز على إسلامية التربية والخلق، لممارسة تنشئة جيل يؤمن بربه مدرك لعظمة الإسلام وصلابته في الحق، وأن العروبة أصلنا، وهي قدرنا الذي لا نريد ولا نستطيع منه فكاكاً». كان عبدالعزيز الصقر هو الشخصية المناسبة لترؤس ذلك الاجتماع التاريخي في حضوره الفارض للاحترام، وفي سمعته بالنزاهة السياسية والتمسك المبدئي بقناعاته، وهو رجل وضع الاعتدال البناء شعاره، يستمد منه القوة والمتانة في اجتهاداته السياسية والفكرية. وصدر البيان الختامي لذلك المؤتمر التاريخي يوم 15 أكتوبر 1990م، وقرأ الوثيقة النهائية الدكتور إبراهيم الرفاعي الاستاذ في جامعة الكويت تحت شعار «التحرير شعارنا، سبيلنا، هدفنا»، ويتكون من 20 فقرة فيها موقف صلب والتزام بالدستورية وعودة إلى الانفتاح، وفيها مبايعة متجددة وملتزمة.
مشاركة :