عرفات المشهد والرحمة .. لبيك اللهم لبيك

  • 10/14/2013
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يقف حجاج بيت الله اليوم على صعيد عرفة الطاهرة لقضاء ركن الحج الأعظم، مفعمين بخواطر إيمانية راسخة صادقة يغمرها الخشوع والسكينة، وتلهج فيها السنتهم بالتلبية والدعاء والتضرع لله، وتحفهم العناية الإلهية، على صعيد واحد تعددت فيه ألوان الحجيج، وتنوعت جنسياتهم، واختلفت لغاتهم وألسنتهم؛ غير أن قلوبهم توحدت مجتمعة على هدف واحد هو توحيد الله وابتغاء مرضاته وعفوه ومغفرته ورضوانه للفوز بالجنة والنجاة من النار. إن جلال المشهد لا تترجمه الكلمات ولا تتسع له السطور، لكننا سنتأمل بعض المعاني السامية التي تستوقفنا في هذه الشعيرة، ونحن نرى تلك الأعداد التي تتكلم بكل اللغات، وتمثل كل الأعراف والألوان، لا يجمعها إلا رباط الإيمان ووشيجة العقيدة وجميعهم بلباس واحد، وعلى صعيد واحد، وبطريقة واحدة، يسعون لهدف واحد هو أن تشملهم رحمة الله الغامرة ومغفرته، وبشعور واحد هو الافتقار إلى الخالق الباري العظيم والخضوع له، ويهتفون بشعار واحد «لبيك اللهم لبيك». الحج عمل لا مثيل له يحقق للنفس سكينتها وللقلب طمأنينته حين تزداد متاعب الدنيا وآلامها التي يضيق بها الصدر وينوء بها الظهر، وهو استجابة لأمر الله تعالى، ونداء خليله إبراهيم عليه السلام «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم»، ولا أشك للحظة واحدة أن أنفعها تلك الراحة النفسية والمتعة الروحية المتحققة في هذا الموسم العظيم وما يرافقه من انشراح للصدر وطمأنينة للقلب عندما يرى الإنسان البيت الحرام ويستشعر عظمة النسك التي يؤديها. فبالرغم من ضيق البقعة المحصورة في مكانها وزمانها على صعيد عرفة إلا أن الكون يتسع والنفس تنشرح والأفق الرحب يمتلئ صداه بالدعاء وتقف اللحظات على ذلك المكان بكل مشاعرها وروحانيتها إحساس فريد يرافق كل الوجوه ذوات السحن المختلفة والبشرات المتباينة الألوان الذين جاءوا من كل حدب وصوب، رافعين أكف الضراعة والابتهال إلى ربهم الكريم الوهاب، طمعا في مغفرته، سبحانه وتعالى، والمولى يفاخر بهم ملائكته، ولقد صور الموقف ابن القيم في قصيدته: وراحوا إلى التعريف يرجون رحمة ومغفـرة ممن يجود ويكرم فلله ذاك الموقف الأعظم الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم ويدنو به الجبار جل جلاله يباهي بهم أملاكه فهو أكرم يقـول عبادي قد أتوني محبة وإني بهم بر أجود وأرحم فأشهدكم أني غفـرت ذنوبهم وأعطيتهم ما أملوه وأنعم. على عرفة يتجرد المسلمون اليوم كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم من كل مظاهر الحياة التي اكسبتهم الوجاهات والرتب، وتذوب فيها الامتيازات والفوارق التي صنعتها الدنيا الفانية في تشابه ملفت يصور موقف الرجوع النهائي للخالق جل في علاه. على صعيد عرفة يبلغ الاكرام الإلهي مداه في ذلك الموقف العظيم الذي لا نسك ولا عمل فيه سوى الدعاء والالتجاء عندما يقف الحجيج مقرين بالذنوب بين يدي ربهم تغمرهم الرحمة بحيث لا يرجعون من ذلك الفناء بالخيبة والخذلان، فقد تركوا أهليهم وديارهم وأموالهم وأولادهم راغبين فيما عند الله، فذاك داع متضرع منكسر، أو حزين أسيف على ما فات، ونائح يبكي ذنوبه وما اثقله من وزر العصيان، أو تائب باك على عيوبه يطلب من الله الغفران، والنفحات الإلهية في ذلك الموقف تهطل كالغيث لتغسل أدران المعاصي والذنوب. وحين يحل الليل يتوجه الجمع المبارك إلى مشعر الله الحرام للمبيت في مزدلفة، استجابة لقول المولى عز وجل «.. فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم ..»، هناك سيعيش الحجيج هدوء الليل وسكونه بعد أن حمل نهارهم دموع العين مدرارة على صعيد عرفة وهم يلهجون بالدعاء ويبتهلون للخالق الديان. ولا شك أن هذا الجمع العظيم يحتاج إلى رعاية فائقة لكي يؤدي مناسكه في جو من السكينة والخشوع وطمأنينة النفس، وهو ما تضطلع به حكومة خادم الحرمين الشريفين من خدمات متكاملة وأعمال جليلة لضيوف الرحمن في تلك الديار المقدسة سواء في جوانب عمارة تلك الأماكن او توفيرها للأمن كإحدى الثوابت التي يقوم عليها هذا البلد في خدمة الحرمين الشريفين، فجميع الأجهزة الحكومية والأمنية مستنفرة لتقديم الخدمات لحجاج بيت الله وحفظ الأمن في الأماكن المقدسة وتأمين سلامة الحجاج والمعتمرين، سائلين الله أن يديم على هذه البلاد العافية، وأن يزيدها من سوابغ نعمه، وداعينه أن يتقبل من الحجيج حجهم وأن يجعل حجهم مبرورا وذنبهم مغفورا وسعيهم مشكورا، وأن يغفر لنا ولهم ويشركنا في أجرهم إنه ارحم الراحمين.. ودمتم وجموع الحجيج سالمين.

مشاركة :