انتخابات 2020.. تمنع ترامب من ضرب إيران

  • 6/25/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لماذا امتنع ترامب في الدقائق الأخيرة من ضرب ايران كردٍّ على إسقاطها طائرة مسيرة فوق المياه الدولية كما تدعي الرواية الامريكية؟ ولماذا هذا الكم الهائل من التصريحات الاعلامية والصور والفيديوهات حول ضرب ناقلات النفط في مياه الخليج العربي وخليج عمان؟ التفسير الأول هو ترامب وجد بأن مصالحه الانتخابية للرئاسة في 2020 سوف تتضرر وتتطلب منه عدم ضرب ايران. أما الثاني فهو أن العالم يعيش حالة فريدة من توافر للمعلومات بسبب تكنولوجيا المعلومات والإنترنت والأمن السيبراني، ما يعد حالة غير مسبوقة في التاريخ لما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية في ثوانٍ معدودات. فالكل يدعي أن مصادره هي الصحيحة وأن ما يقدمه هو عين الحقيقة. إلا أن الحقيقة تبقى بعيدة كل البعد عن القنوات والوسائل الاعلامية المدفوعة الأجر!! فمن كان يعتقد أن «الجزيرة القطرية» التي استقطبت الملايين من المشاهدين من الشعوب العربية والأجنبية، أن تظهر على حقيقتها بعد المقاطعة الخليجية لقطر في 5 يونيه 2017 وتقف مدافعة لقطر لأنها ملك شخصي لأميرها كما هو مسجل في وثائق تراخيصها القانونية. لذلك فهي تواجه مشكلة مع الكونجرس الامريكي وفقاً للوائح التي ذكرتها هيئة الاتصالات الفيدرالية الامريكية وهي أن «الجزيرة» تخضع «لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب»، ويجب أن تخضع لجميع الإفصاحات والقيود التي تتعلق بالوكلاء الأجانب المسجلين الذين يعملون في الولايات المتحدة. لذلك فالجزيرة القطرية تواجه مشكلة اكتشاف الكونجرس الامريكي بأنها تعمل في الولايات المتحدة تحت رخصة جهاز إعلامي عام ساعدها على التصرف بحرية للترويج لجماعة الاخوان المسلميين الارهابية، واستضافة عدد من أعضاء حماس على شاشتها، ومن ثم التأثير على الشعب الامريكي من خلال مواقفها المعادية ضد السياسات الامريكية، كما هو مذكور في الخطاب الموجه من الكونجرس الى النائب العام بتاريخ 18 يوليو 2019 والطلب منه إدراج الجزيرة تحت «قانون تسجيل الوكلاء الاجانب»، وهذا إن تم تنفيذه سوف يحد من تأثيرها الإعلامي على الشعب الامريكي، وبالتالي على السياسة الخارجية الامريكية تجاه الإرهاب والمنظمات الإرهابية المدرجة على القائمة الامريكية، وأهمها الاخوان المسلمين وحماس وحزب الله المدعومين من قطر. ولو عدنا للكم الهائل من التصريحات الإيرانية في الآونة الاخيرة والأزمة القائمة في منطقة الخليج والتصعيد الخطير للأحداث، فإننا سوف نلاحظ بأن التصريحات الإيرانية النارية التي أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني وقادة في الحرس الثوري ليست سوى تعبير عن القلق الذي يعتري القيادة الإيرانية جراء الضغوط الداخلية والخارجية غير المسبوقة التي تتعرض لها طهران منذ الانقلاب على حكم الشاه عام 1979. وإن كل التصريحات المتعلقة بالتقليل من حجم الاحتجاجات الشعبية التي تجتاح المدن الإيرانية وامتلاك النظام شرعية شعبية تضاف إلى الشرعية الثورية التي يتفاخر بها منذ عام 1979. ليست سوى محاولة للتقليل من الارقام الكبيرة المشاركة في المظاهرات الشعبية التي تعم سائر المدن الإيرانية؛ بسبب الوضع الذي يعانيه الاقتصاد الايراني المنهار. وتعكس مواصلة طهران إطلاق خطاب مهدد للدول الكبرى، فشلاً ذريعًا آخر لنظام الولي الفقيه في إنتاج رؤية حديثة للدولة في إيران تحاكي شروط العصر وأصول العلاقات الدولية. فما زالت القيادة الإيرانية ومنذ أربعة عقود، مستمرة في الهروب من الاستحقاقات الحقيقية للمجتمع الإيراني من خلال سياسة خارجية متهورة هدفها تصدير مشاكل الداخل نحو الخارج، خاصة أن التصريحات الرسمية الصادرة عن القيادات السياسية والعسكرية للدولة تشبه في صيغها ما تطلقه الميليشيات وليس الدول من مواقف. فعلى سبيل المثال عندما نقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن السيد يد الله جواني مساعد قائد الحرس الثوري للشؤون السياسية قوله «لا تملك الولايات المتحدة الشجاعة لإطلاق رصاصة واحدة علينا رغم كل إمكانياتها الدفاعية والعسكرية. ولكن إذا هاجمونا فسنمحو تل أبيب وحيفا من على الأرض».  إن كل التصريحات والتهديدات التي صدرت من طهران ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة تؤكد أمرين: الأول: شراء تأييد الرأي العام الداخلي برفع سقف التخويف بما يضمن للقيادة الإيرانية استمرار دعم الشعب «لنظام الولي الفقيه». ثانيًا: قلق ايران من مسألة الضغوط الدولية وجديتها هذه المرة لسحب سيطرتها وامتداد نفوذها على دول الإقليم بعد كل ما قدمته من مليارات الدولارات، وما ضحت به من أبناء الشعب الايراني في المعارك التي شاركت فيها بسوريا ولبنان واليمن والعراق. إن مسألة الضغوط التي تتعرض لها طهران ليست تقليدية كتلك التي تمارسها الولايات المتحدة ضد إيران منذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، بل إن ما صدر عن الاتحاد الأوروبي من إدانة للسلوك الإيراني في المنطقة ولبرنامج إيران للصواريخ الباليستية واتهام طهران بالوقوف وراء عمليات إرهابية في بلدان أوروبية، وما يصدر عن موسكو من إشارات بشأن ضرورة انسحاب إيران من سوريا، كلها عناصر تؤكد أن هناك منحى شاملاً يريد وقف التمدد الايراني في المنطقة. إلا أن الإيرانيين مازالوا يعيشون حالة الثورة المستمرة رغم مضي أربعين عاماً على قيام «نظام الولي الفقيه» الذي تؤكده التصريحات لعدد من قادة الحرس الثوري عندما يقول الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني: «إن طهران لن تسحب قواتها من المنطقة ورفض الدعوات الأمريكية بضرورة كبح نفوذ طهران الإقليمي». وأضاف أنه «لا يمكن أن يطلب منا العدو الرحيل عن المنطقة. هم يجب أن يغادروا المنطقة (…) وسنساعد أي مسلم في أي مكان في العالم». الا أن تشدد الخطاب الإيراني، لاسيما تصريحات روحاني حول أن إيران «لم تطلب ولن تطلب أبدا من أي جهة الإذن لزيادة قدراتنا الدفاعية أو صنع أي نوع من الصواريخ»، قد تكون مناورة يراد منها شد عصب المناصرين للنظام وتوحيد تياراته، لكنها قد تكون أداة من أدوات الاستعداد لطاولة مفاوضات ستضطر إليها طهران مع واشنطن وعواصم العالم الكبرى. إن الأزمة الحالية في الخليج العربي والتوتر الشديد القائم بين الولايات المتحدة وإيران والكم الهائل من التصريحات والتصريحات المضادة، يؤكد بأن ما يجرى ليس سوى مسرحية أبطالها ايران والولايات المتحدة، أما المتفرجون ففي الصف الأمامي دول الخليج العربي والصف الثاني أوروبا والأمم المتحدة، وسوف يبقى الوضع على ما هو عليه مادام يحقق المصالح الاستراتيجية لكلا البلدين: فالولايات المتحدة تريد أن تظل دول الخليج العربي في حالة خوف وفزع مستمر من ايران، وأن عليها تقديم طلبات شراء الأسلحة بالمليارات الضخمة من أجل دعم الاقتصاد الامريكي وحملة ترامب الحالية لتجديد انتخابه لولاية ثانية لأن أية خسائر لأفراد الجيش الامريكي في أي مواجهة مع ايران ستكون كارثية لحملة ترامب الانتخابية. أما ايران فإنها سوف تستمر في إطلاق تصريحاتها وتهديداتها تأكيداً لسياستها العدوانية ضد الولايات والسعودية وحلفائهم في المنطقة، وضمان عدم المساس لما حققته من نفوذ وسيطرة وتحكم في دول الإقليم مع استمرار تعهداتها والتزاماتها بما تم الاتفاق عليه بالاتفاق النووي الذي يُثبت حقوقها في امتلاك الطاقة النووية؛ ولتضمن الدعم الأوروبي لمواجهة ترامب وتعهداته بأنه لن يسمح لها بامتلاك الطاقة النووية مع اطلاقها بالتصريحات الاعلامية فقط التي تهدد بتدمير إسرائيل وتخدم حملة ترامب الانتخابية لفترة رئاسية ثانية في البيت الأبيض. أما كيف تستطيع دول مجلس التعاون تجنب الخطر والتهديد الايراني؛ فهذا يتطلب التفكير العميق في كيفية عدم الاعتماد على القوة الامريكية. وأترك التفاصيل في مقال قادم إن شاء الله.

مشاركة :