انتهت المفاوضات بين الخمسة + واحد وإيران حول برنامجها النووي في لوزان بإعلان اتفاق إطار. وهنا، علينا بداية أن نحدد الظروف التي دارت فيها المفاوضات الأخيرة في مدينة لوزان السويسرية، والتي أراد فيها الإيراني أن يبدأ مفاوضاته وقد احتل عدن وعزل الشرعية اليمنية عشية المفاوضات النووية والقمة العربية. فكانت عاصفة الحزم بقيادة السعودية ومعها تسع دول عربية وإسلامية هي المفاجأة التي لم يكن يتوقّعها الإيراني. وقد اعتبر ذلك علامة سوداء للمخابرات الإيرانية وتنحية مسؤولها. ما نريد قوله إن إيران دخلت إلى المفاوضات مربكة بعد أن خسرت الورقة اليمنية. أعلن الاتفاق في مؤتمر صحفي حضره وزراء خارجية الدول الكبرى المفاوضة. وتحدثت المسؤولة الأوروبية السيدة موغيريني وأيضا الوزير الإيراني ظريف. منذ تلك اللحظة بدأ العدّ العكسي لتسويق الاتفاق، وبالذات لدى إدارة الرئيس أوباما التي تواجه تحديات داخلية مع الأغلبية في الكونجرس، والتي تعترض على الاتفاق وتحديات خارجية مع إسرائيل، إذ خاض نتنياهو انتخاباته على التهديد الذي يمثله الاتفاق الأميركي - الإيراني على إسرائيل. وكان خطابه في الكونجرس تحديا كبيرا للرئيس أوباما. والتحدي الثاني لإدارة أوباما كان مع الأصدقاء العرب، وتحديدا المملكة العربية السعودية، في حين كان تحدي إيران الداخلي سهلا، إذ إن الماكينة التعبوية الإيرانية أطلقت حملة احتفالات كبرى منذ إعلان الاتفاق على أساس انتصار إيران على أميركا. عقد الرئيس أوباما مؤتمرا صحفيا بعد حوالي عشرين دقيقة من إعلان اتفاق لوزان. وقد تحدّث خلاله عن جهود إدارته، معتبرا أن العقوبات كانت فعّالة فقط في جلب إيران إلى طاولة المفاوضات، وأن الجهود الدبلوماسية لوزير خارجيته ولحلفائه لها الفضل الأكبر. وبذلك ردّ على الكونجرس الذي يعارض رفع العقوبات عن إيران وخيّره بين المفاوضات أو الحرب. وهنا ذكر بالرئيس كيندي الذي أنهى حرب فيتنام، والرئيس نيكسون والانفتاح على الصين، والرئيس ريجان ونهاية الاتحاد السوفياتي، واضعا بذلك اتفاقه مع إيران في سياق المحطات التاريخية الكبرى لرؤساء أميركا. أعلن الرئيس أوباما أنه أطلع باتصال هاتفي نتنياهو مؤكدا التزام أميركا بأمن إسرائيل. فرد نتنياهو بعد ساعات معتبرا أن الاتفاق يهدد إسرائيل، ويجب التفاوض من أجل اتفاق أفضل. ثم تحدث في اليوم الثاني عن ضرورة اعتراف إيران بدولة إسرائيل، لأنه يعلم أنه كان يتمادى بالاستيطان بينما كانت إيران تتوسع بالتخصيب، وأن توقف التخصيب يعني توقف الاستيطان. وبهذا نكون قد حددنا الكلام الأميركي الداخلي والإسرائيلي مع رد إسرائيل، لننتقل إلى أميركا مع السعودية والخليج، إذ أعلن الرئيس الأميركي أنه أيضا أجرى اتصالا مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لاطلاعه على الاتفاق، وأنه دعا قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى قمة في منتجع كامب ديفيد الأميركي لبحث الوضع الأمني في المنطقة. تعرف أميركا وإيران معا أن الاتفاق الذي وُقّع لا قيمة لاعتراض الكونجرس أو إسرائيل أو إيران له، لأن الاتفاق يمس الأمن القومي الخليجي والعربي، بعد ما يشاهده العالم بوضوح عن استباحة إيران للدول العربية، وهي تعلن رسميا سيطرتها على أربع عواصم عربية، بعد أن صادرت القضية الفلسطينية عبر دعمها للانقسام الفلسطيني. وأن سياسات إيران في المنطقة العربية كانت خير منفذ لسياسة الفوضى الخلاقة التي تسبّب بها احتلال العراق من قبل أميركا وتقديمه هدية لإيران، والذي أسس لداعش وأخواتها في سورية والعراق، إن البند الأول في جدول أعمال كامب ديفيد سيكون الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، على أساس القرارين ٢٤٢ و٣٣٨ ومبادرة السلام العربية، والإيفاء بوعود نيكسون بعد حرب أكتوبر ٧٣، ووعود بوش الأب في ٩١ إبان عاصفة الصحراء وتحرير الكويت، ووعود أوباما الذي أعلن في كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠١٠ أنه يريد أن يرى في العام القادم فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. والبند الثاني سيكون التسامح الأميركي مع إيران في العراق وسورية ولبنان بشكل واضح وعلني. وترك تلك الدول تنهار وتتلاشى دون أن يحرك ساكنا تحت شعار "سلامة المفاوضات". وهنا، لن يقبل العرب بعد عاصفة الحزم أن يبقى الصمت الأميركي حيال العبث الإيراني بأمن الشعوب العربية ودولها. ننتظر في الأيام القادمة أن تبدأ سياسات حسن النوايا. ويجب أن تبدأ بقرار حازم من مجلس الأمن حول الوضع اليمني، وتحت الفصل السابع، وتحمل المسؤولية المباشرة على الأرض، وتغيير الموفد الدولي بنعمر بشخصية موثوقة ورفيعة ومسلحة بإرادة الحزم العربي والدولي. وأيضا ننتظر أن يبدأ سعي المجموعة الدولية بتقديم مشروع قرار دولي ملزم بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف على أساس القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية والدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط. وأيضا علينا أن ننتظر مراجعة لسياسة التحالف الدولي العربي لمحاربة داعش الذي يعمل حتى الآن لدى إيران وميليشيات الحشد الشعبي وسرقاتها وانتهاكاتها بحق العرب العراقيين، خصوصا بعد ما يحدث في تكريت. إن حسن النوايا يقتضي بمراجعة السياسة واعتماد الحزم في سورية والعراق مع داعش وأسبابها، من المالكي إلى الأسد وإيران. تلك هي الخطوط العريضة الافتراضية لقمة كامب ديفيد بين قادة الخليج وأوباما، على أساس أن ما بعد عاصفة الحزم ليس كما قبلها.
مشاركة :