< العون من الله والاتكال عليه، جلت قدرته، من مُسلَّمات المؤمن القوي الذي هو خير من المؤمن الضعيف. الاستعداد بالقوة ليس شعاراً وأناشيد وطنية، بقدر ما هو عدة وعتاد وصبر ومثابرة وعمل جاد صادق مخلص. الأطماع وشرور الأنفس والابتزاز تتزايد يوماً بعد يوم، وأحداث التاريخ البعيدة والقريبة يُفترض أن تكون عناوين الدراسات والتخطيط الإستراتيجي العميق. الوضوح والشفافية ترسم ضياء طريق المستقبل، ولم يعد أمام أمة -جمعها الله على لغة ودين وتراث ومصير جغرافي مشترك- إلا أن تكون في دائرة التبصّر واستحضار إلهام البصيرة؛ لمواجهة أخطار لم تَعُد مخفية في دهاليز المؤامرات؛ لأن أخطار اللعب في المصير المشترك أصبح يدار على المكشوف ودق ناقوس الأطماع على الحدود الشمالية والجنوبية. متى يمكننا في الخليج أن نقول بكل عزم وثقة؛ لسنا بحاجة إلى أحد يبتزّنا أو يُساوم على أمننا واستقرارنا وقرارنا وإرادتنا؟ وهل نحن قادرون على ذلك؟ كنتُ -ومازلت وسأظل- أقول وأردد في كل مناسبة بثقة تامة: نعم في استطاعة دول مجلس التعاون بالاتحاد، أن تُشكِّل قوة إقليمية اقتصادية وسياسية وعسكرية صلبة ورادعة تُغنيها وتفرض احترام إرادتها ليس إقليمياً، بل على الساحة الدولية؛ ولكن كيف يمكن تحقيق هذه التجربة العربية المُنتظرة؟ يمكن تحقيقها أولاً، إذا تخلّص حكام دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من تبعات الشك والرّيبة التي فُرضت من أجندات خارجية «عربية وإقليمية ودولية» لا تريد لحلم الاتحاد بين دول المجلس أن يتحقق، وتعمل من خلال مبعوثين ومستشارين وأصحاب مصالح داخل أروقة بعض الأنظمة زرع بذور تحطيم الاتحاد والتكامل الفعلي بين هذه الدول. ثانياً، إذا نظرت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى أن أقوى الجيوش على مر التاريخ، يتمثل في تماسك وقوة الجبهة الداخلية، وفي دول المجلس يتربع هذا التماسك والتلاحم على عرش أراضيها وفي سمائها وبين شعوبها. ثانياً، إذا جُرِّدت السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون من ميزان مواقف الخوف من الأيديولوجيات الضيقة، إلى الانفتاح بشكل واسع على تعميق شراكات إقليمية ودولية إستراتيجية، تنقل الاقتصادات الريعية الاستهلاكية إلى برامج القيمة المُضافة ونقل وتوطين المعرفة؛ لأن تطوير بيئة الشعوب إلى حاضنات إبداع وإنتاج وعدالة اجتماعية، يُطهّرها من متاهات أوحال البطالة والإحباط والتطرف، وتنصرف الأجيال إلى بناء حضارة مُؤسسية تستحق المواطنة والولاء والانتماء، من دون اتكال أو اعتماد على مواقف دول مُتغيرة بحسب أهواء ومصالح مادية خالية من العمق الاستراتيجي. وأنا أنظر إلى سرب طائرات التحالف، السعودية، والإماراتية، والبحرينية، والقطرية، والكويتية، في ملحمة عاصفة الحزم، قلتُ لابني: إن منظومة هذه الطائرات في الجو، تُشكل بنيان اتحاد الخليج المرصوص على الأرض، شاء أهل الخليج أم أَبَوا، هذا قدرهم المحتوم؛ إنهم يهربون من الاتحاد إلى قدر الاتحاد، و«عاصفة الحزم» ستضع اليمن -بلا أدنى شك- الدولة السابعة في منظومة مجلس التعاون لدول الجزيرة العربية، لتُشكل قوة بشرية واستراتيجية واقتصادية هائلة. لم تَعُد الأوضاع المُحيطة بالجزيرة العربية تحتمل التردد أو ضياع فرص لن تتكرر، وربما تكون الأخيرة؛ ولأن كيان الاتحاد الإقليمي لدول الجزيرة العربية «السبع» هو الحل الوحيد؛ لأن دك الحصون ضد الأطماع الإيرانية والصهيونية الحالية والمستقبلية، مرهون بالاتحاد القوي المتماسك، وإخراج الجارة الجنوبية من قهر الفوضى والفقر والعوز بتنفيذ مارشال دعم تنموي حقيقي يصل إلى أفئدة الشعب وليس لجيوب وأرصدة قادة. * كاتب سعودي. alyemnia@
مشاركة :