لطالما تغنى بعض منسوبي الصحة من قيادات ومديري عموم ومديري مستشفيات وأطباء بأن مهنتهم إنسانية بالدرجة الأولى، قبل أن تكون وظيفة كأي وظيفة أخرى لا علاقة لها بصحة وإنسانية الإنسان، فضلاً عن كرامته!! إلا أننا لا نجد لذلك أثراً واضحاً على أرض الواقع!! الأمر الذي جعل الكثير من المواطنين حتى محدودي الدخل منهم يلجؤون لمراجعة المستوصفات والمستشفيات الخاصة، بعدما فقدوا الثقة في المستوصفات والمستشفيات الحكومية لأسباب عدة، منها الإهمال، والتسيب، وعدم المبالاة، وغياب الاستشاريين في مستشفيات مكة الحكومية مساء!! فعندها وحينها لا تسل عن غياب الضمير لدى شريحة كبيرة من الأطباء الاستشاريين في مستشفيات مكة!! لقد تحدثت مع أحد الأطباء الاستشاريين السعوديين، يعمل خارج مكة، عن مشكلة غياب الاستشاريين الواضح، ففاجأني بقوله إن الاستشاريين في صحة مكة لا يداوم الكثير منهم في مستشفيات مكة الحكومية ليلاً، إن لم يكن كلهم!! ولا أعلم ما السبب؟! هل لأنهم وصلوا لمرحلة عليا من السلم الوظيفي؟! ما جعلهم يأنفون من الكشف على مريض بمرض عادي أو غيره، طالما يوجد اختصاصيون أو طلاب الطب في مرحلة الامتياز؟!! إذا هم ظنوا ذلك فهم واهمون وجاهلون!! هم واهمون؛ لأن ما وصلوا إليه يضعهم أمام مسؤولية أمانة الضمير، وهي تنطلق من مبادئهم بوصفهم مسلمين أولاً، ومن البشر يشعرون بآلام الناس ثانياً! وقد تجد عند غير المسلم من الأطباء إنسانية تفوق ما لدى بعض الأطباء المسلمين مع الأسف!! وهم جاهلون؛ لأنهم اعتقدوا أن وجود بعض الاختصاصيين وطلاب الامتياز يكفي للكشف على المرضى!! فهناك حالات تستدعي وجودهم؛ فلماذا يتغيبون مساء بحجة وجود غيرهم؟! والدولة لم تبخل عليهم في تعليمهم وتطوير مستواهم بغرض إفادة مستشفياتهم، ونفعها بخبراتهم، لا التعالي عليها!! فما فائدة الخبرات إذا تعالت وتأففت من خدمة أبناء الوطن؟!! مواطن يلف على طريقة كعب داير بين ثلاثة مستشفيات حكومية؛ كي يجد جراحاً للكشف على ابنه، فلا يجد في كل تلك المستشفيات مجتمعة، فضلاً عما وجده هو وغيره من سوء معاملة، ومماطلة بالساعات، وساعات أخرى حينما قرروا تنويم مريضه!! وقرر إخراجه من المستشفى خوفاً على ابنه حينما لم يعرفوا تشخيص حالته!! وطفله يئن من آلام المرض في ترسيخ حقيقي وواقعي لمقولة كثرة المساس يذهب الإحساس!!.. فكثرة الإهمال والتسيب وعدم المبالاة وغياب الرقابة الحقيقية رسخت تلك المقولة لدى شريحة من عديمي الضمير في مستشفياتنا الحكومية مع الأسف، في غياب حقيقي وواقعي لدور مسؤولي صحة مكة، ومن خلفهم وزارة الصحة، في عدم إيقاظ تلك الضمائر الميتة، والسكوت عنها، حتى تمادت!! وختاماً.. غياب ذلك الضمير الصحي في مكة لا يقتصر على الصحة فقط، بل يتعداها إلى إدارات أخرى كالبلدية، وإدارة التربية والتعليم وغيرها، ويتمثل ذلك في سوء تعاملهم وتأخير معاملات مراجعيهم ومماطلتهم، وهم يسكنون خير البقاع على وجه الأرض (مكة المكرمة) قبلة المسلمين. أما متى يدركون أنهم يسكنون هذه البقاع الطاهرة، ويحتسبون الأجر عند الله تعالى في إنجاز معاملاتهم، وتطهير إداراتهم من الظلم؟! فعلم ذلك عند ربي، لا يضل ربي ولا ينسى سبحانه!!
مشاركة :