كثير من الناس تراه حتى في أحلك الظروف منبسط الوجه تعلوه الابتسامة، يرى أن المشاكل يمكن أن تحل بسعة الصدر والقليل من الصبر، لكننا نرى أيضا أصنافًا من البشر متجهمي الوجوه، فاقدين لنعمة الصبر ولو لأتفه المشاكل.. يحملون الدنيا على أعتاقهم، ويظنون أن الدنيا سوداء مظلمة لا خير فيها، مع أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، فهي حلوة نظرة تشع في نواحيها الفرحة والسرور. وهؤلاء العابسون المتجهمون يرسمون على وجوههم سورة «عبس وتولى»، بينما يرسم غيرهم من المنشرحين المتفائلين على وجوههم سورة «ألم نشرح لك صدرك»، ويظن هؤلاء العابسون المتجهمون أن العبوس من مكونات الشخصية المهابة الجليلة، مع أن العكس هو الصحيح، فالإنسان الهاش الباش المبتسم يستطيع أن يكون صداقات عديدة بحسن تعامله مع الآخرين. ولذلك فإن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه الشريف: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» وهي صدقة وأجر دون أن تدفع فيها شيئا من المال، ولا تتطلب منك شيئاً سوى البسمة الصافية التي لا يخالطها الرياء والنفاق. وأذكر أن الكاتب المصري الساخر محمد عفيفي صاحب المؤلفات العديدة ومنها «شلة الحرافيش» و«ضحكات صارخة» كتب في وصيته قبل موته أن لا ينشر نعيه في الصحف حتى لا يمحو الابتسامة التي رسمها على أفواه القراء. وقد قال عنه الكاتب الكبير الراحل نجيب محفوظ: «كانت السخرية محور حياة محمد عفيفي ينبض بها قلبه ويفكر بها عقله وتتحرك فيها إرادته، فهي ليست بالثوب الذي يرتديه عندما يمسك بالقلم وينزعه إذا خاض غمار الحياة، ولكنها جلده ولحمه ودمه وأسلوبه عند الجد والهزل». فالابتسامة كنز، تفتح القلوب وتشرح الصدور وتبعث على التفاؤل. الابتسامة مفتاح كل عسير، تمنح النفس السكينة، والقلب الطمأنينة. لذا كم سيكون جميلاً أن ندخل بيوتنا بوجوه ضاحكة مستبشرة، نوزع الابتسامات على من حولنا لتصير الحياة بألوان زاهية مشرقة، ننشر أزهار الابتسامات في العمل والأماكن التي نرتادها، في الشوارع والأزقة والدروب، في المقاهي وفي دور العبادة. الابتسامة هي المفتاح الأول لكل القلوب المغلقة، وليس من الضروري أن تكون الابتسامة بالفعل فأحياناً تبتسم الحروف حينما تكتب لأنها تكون من قلوب صادقة، وتبتسم الهدايا عندما تهدى لأنها مليئة بالحب والوفاء. والابتسامة الحقيقية لا يمكن تزييفها فهي كالذهب عبثاً يحاول المخادعون تقليده ولكن بريق الذهب ليس كأي بريق. الابتسامة المشرقة أقوى قوانين الجاذبية للقلوب والأرواح، وللابتسامة سحر خلاب يستميل القلوب ويأخذ بالألباب والمبتسمون أحسن الناس مزاجاً وأطيبهم نفساً. وبالابتسامة نتغلب على الضغوط اليومية التي سببت لنا أمراض الضغط والسكري والتوتر والقلق والأزمات القلبية.. يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»، وكان صلى الله عليه وسلم طلق المحيا، البشاشة تعلو وجهه والابتسامة لا تكاد تفارقه، فعن عبدالله بن الحارث قال: «ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم».. ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: «أحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على قلب مسلم».
مشاركة :