الشارقة: عثمان حسن: في الحديث عن المدرسة الفنية التكعيبية، لا بد من تحديد الأطر والمفاهيم والأهداف التي أدت إلى ظهور هذه المدرسة التي استفادت من قوة الشكل وتوظيفه جمالياً، كما لا بد من إطلالة على البدايات ومراحل تطور التكعيبية في ضوء فهم مبدعي كل مرحلة من هذه المراحل. يرى النقاد أن المدرسة التكعيبية، هي اتجاه فني ظهر في فرنسا في بدايات القرن العشرين، وهؤلاء غالباً ما يكررون العبارة الشهيرة لسيزان: «الكرة، والأسطوانة، والمخروط هي جوهر بِنْيَة الطبيعة». والتكعيبية كمدرسة فنية، نشأت عن نوع من الالتباس في فهم هذه العبارة، فلم يكن الغرض فرض هذه الأشكال الهندسية على الطبيعة، لأنها موجودة فعلًا، غير أن التكعيبيين عمدوا في سبيل بناء اللوحة لتصبح متماسكة وقوية، إلى هندسة صورة الطبيعة، وفي سبيل هذه الهندسة، عادوا إلى الفيلسوف وعالم الرياضيات الأشهر فيثاغورس، وتبنوا نظرياته في الهندسة والرياضيات. واتخذت التكعيبية من الأشكال الهندسية أساساً لبناء العمل الفني، وقامت على الاعتقاد بنظرية «التبلور التعدينية» التي تعدّ الهندسة أصولاً للأجسام، وقد انتشرت بين 1907 و1914، ويعتبر بيكاسو وبراك، وأيضاً خوان جريس، من رموزها الكبار، وهناك من ينسب ريادة هذه المدرسة إلى بيكاسو، وليس سيزان، حيث يؤكد أصحاب هذا الرأي أن بيكاسو هو الأب الفعلي لهذه المدرسة، من خلال لوحته الشهيرة «فتيات آفينينون» التي أبدعها في عام 1907م، والتي حاول بيكاسو من خلالها أن يستنكر عملية الاتجار بالجسد، وصور من خلال أسلوبه قدرة على رسم الانفعال، حيث الوجوه عنده تشبه الأقنعة الإفريقية، قاسية التقاسيم، باردة المشاعر، وفي عام 1909م تعمق بيكاسو في التكعيبية، وأطلق عليها النقاد التحليلية. قامت هذه المدرسة على ما يعرف بنظرية «التبلور التعدينيّة»، أي تحويل المكعبات إلى سطوح متداخلة، وتحريكها في جميع الاتجاهات بالتلاعب بالظلال، ورؤية اللوحة من جميع الزوايا، حيث يحدد الباحثون ثلاثة مراحل في تطور التكعيبية، والطريف في هذه المدرسة أنها في خلال سبع سنوات فقط، شهدت نقلات نوعيه في مراحلها الثلاث، حيث بدأت الأولى في فرنسا على يد «سيزان» ما بين عامي 1907 و1909م تزامناً مع مراحل ظهور الفن التجريدي، ويطلق على هذه المدرسة «التكعيبية البدائية»، وهي الفترة المتأثرة بالفن والنحت الإفريقي. وقد توجه سيزان إلى الأشكال في الطبيعة، فرسمها بطريقة هندسية ذات مساحات وأشكال متنوعة، وكان مرتكز هذه المرحلة يستند، بل يستفيد من المنظور الطبيعي، أو صور الطبيعة، وتقسيمها إلى أشكال فنية تبحث عن أسرار الجمال. أما المرحلة الثانية، فيطلق عليها «التكعيبية التحليلية» أي تحليل أشكال الطبيعة، وبناؤها بطريقة جديدة، هنا، يمكن القول إن هذه المرحلة، قد حركت فهما جديداً في تلقي الفنون، حيث صار الفنان معنياً بابتكار شكل تكعيبي، تتنوع، بل تتعدد فيه المساحات الشكلية التكعيبية، وتتداخل وفق أسلوب جديد، يمنح المشاهد فرصة كبيرة في التلقي والتذوق.. واستمرت هذه المرحلة ما بين 1910 و1912، وفي هذه الفترة كان هناك تركيز على استخدام اللون، وكان في الأغلب لوناً واحداً بدرجات متفاوتة، يتم توزيعه على سطح اللوحة مقسماً إلى أشكال مختلفة، أما المرحلة الثالثة، فركزت على ابتكار صورة موحدة التكوين، تدور في فلك موضوع واحد مترابط وواضح، وهي مرحلة متقدمة في فهم الشكل الفني، ويطلق عليها «التكعيبية التركيبية» وهذه المدرسة يؤرخ لها ما بين 1913 و1914. ويرى النقاد أن هناك تشابهاً بين التكعيبية والسيريالية، فهما تتشابهان في أمور كثيرة، كما تختلفان في بعض الأمور. من حيث أوجه التشابه، أن كلتا المدرستين تمتاز بالقوة، تلك القوة المستمدة من رواد كل منهما، وتأثير أصحاب هاتين المدرستين في تاريخ تطور الفنون في العالم، كما أن الفترة الزمنية التي نشأت فيها التكعيبية، وكذلك السيريالية، هي فترة قريبة نسبياً، فالتكعيبية بدأت 1907م، والسريالية في عام 1924م، كما تتشابه التكعيبية والسيريالية في كونهما جاءتا رداً على الرؤية البصرية التي لجأ إليها الانطباعيون وهي الرؤية التي تستند إلى الواقع، فيما كانت التكعيبية والسيريالية تريان خلاف ذلك، وكانت الرؤية البصرية هنا، تعنى أكثر بتحطيم، بل تجريد الأشياء أو الرؤية الواقعية للأشياء.
مشاركة :