لوحات تركيبية بأكياس الشاي تجربة فريدة للفنانة التشكيلية مياسة السويدي

  • 6/27/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ضمن افتتاح معرض فني خاص بالشاي بسوبرينق قاليري في باريس، تم أخيرا تدشين كتاب “مياسة.. أساطير الشاي” إعداد الشاعر والصحافي السعودي عبدالوهاب العريض، وذلك بحضور ممثل عن سفارة البحرين وعدد كبير من المثقفين والمهتمين بالفن التشكيلي في باريس. ونال المعرض نجاحا باهرا من خلال تناول التجربة نقديا وصحافيا في العاصمة الفرنسية باريس وكان ذلك بحضور الفنانة التشكيلية مياسة السويدي أثناء افتتاح المعرض وتدشين الكتاب. يتناول كتاب “مياسة.. أساطير الشاي” تجربة فنية فريدة من نوعها، للفنانة التشكيلية البحرينية مياسة السويدي، التي اختارت أن تكون أكياس الشاي محامل لأعمالها الأخيرة، التي تنتهج فيها التركيب بناء فنيا لمعمار لوحاتها. تقدم مياسة السويدي نفسها في مطلع الكتاب قائلة “تطفو الأفكار لترسمني وأرسمها، أدونها كي لا تهرب وتتناثر من حولي، ومضة من نور وأفكار كالنجوم، تتناثر خيالا خصبا يسكنني، ولا أكتفي بلوحة واحدة أو اثنتين بل أتبعها بعمل تركيبي مكون من أكياس تعدى عددها ألفي كيس شاي ملون”. فن مختلفيحتوي الكتاب علاوة على تقديم الفنانة لأعمالها الأخيرة، عددا من شهادات نقاد وأدباء وفنانين عرب حول تجربتها، شهادات أشبه بالمقاربات لعوالم لوحات السويدي والأفكار التي تحملها والسبل الفنية التي تنتهجها لتقول من خلال اللون والتركيب والخطوط والأشكال هواجسها ورؤاها لقضايا مختلفة. وجاءت الشهادة الأولى بقلم عبدالوهاب العريض بعنوان “مخيلة الشاي”، كما كتبت هلا بنت محمد آل خليفة شهادة وسمتها بـ“انجذاب الروح”، بينما جاءت شهادة سوزي ماسيتي بعنوان “لا حدود للفن”. كما ضم الكتاب قراءتين نقديتين جاءت الأولى بقلم السورية بسمة شيخو التي عنونتها بـ”ظلال الحبر على مسرح الشاي”، بينما قدم البروفيسور عبدالأحد السبتي مداخلته حول أعمال السويدي من منطلق “الشاي.. صور ومفارقات الأتاي”. ويعرض الكتاب تحضيرات الفنانة لمعرضها الأخير وعددا من لوحاتها راسما ملامح من سيرتها الفنية. إذا كنا نعتاد الأشياء من حولنا حتى تغدو غير مدهشة، فإن السويدي تقوم في عملها بوظيفة الفلسفة التي يراها كارل يسبرز اندهاشا من أكثر الأشياء اعتيادية، الدهشة طريق الفنانة في اشتغالها على مواد استهلاكية نراها ونلامسها يوميا، ولكنها من خلال هذه المواد تدفع برؤيتها إلى أقاصي التفكير تقودها في الغالب ألوان ترابية منها تنبعث أسئلة حول الطرقات البشرية وآلامها وأحلامها وغرائزها وصولا إلى أفكارها التي تحاول تجريد العالم وإعادة تمثله. تستعمل الفنانة أكياس الشاي التي تركبها كل مرة بشكل من الأشكال وتجعل منها مساحة لعملها اللوني والشكلي، ولا تخفي السويدي صعوبة ذلك حيث تقول “واجهتني في البداية صعوبة التعامل مع أكياس الشاي التي احتاجت عناية خاصة وإعدادا مسبقا”، بينما تحاول أن تخلق عوالم متكاملة من أجزاء صغيرة متراصة. ويرى معد الكتاب عبدالوهاب العريض أن أعمال الفنانة تستدعي العصر الحجري بتلك الرسومات الإنسان/ الطير، من خلال خامات لا تكتفي بتمظهرها اللوني والشكلي فحسب وإنما أيضا بالرائحة. ويشدد العريض على أن دافعه لإعداد هذا الكتاب كان التوثيق لتجربة السويدي من خلال صور اللوحات وما كتبته الصحافة العربية أو الأجنبية عن معرض الفنانة، لتقديم تجربتها الفنية مصحوبة برؤية ثقافية، حيث يمثل الكتاب مرجعا لكل قارئ ومتابع لحركة الفن التشكيلي في الخليج وفي البحرين بالدرجة الأولى. الإضاءات النقدية ساهمت في الولوج أعمق إلى عالم الفنانة المحكوم بحركات خطوط ونقاط وحروف وألوان متنافرة ومتوائمة إن كتاب “مياسة.. أساطير الشاي”، كما يقول العريض “ليس مجرد توثيق، بل هو كتاب ثقافي شامل، شارك فيه عدد من الباحثين والأدباء على مستوى العالم العربي، كما يحتوي على مجموعة من الصور لأعمال ومراحل إعداد اللوحات كذلك”. كانت بداية مشروع مياسة السويدي من خلال برنامج “الطعام الثقافة” الذي جمع بين فنون الطهي والفنون البصرية والتشكيلية، حيث تشاركت كل من السويدي والشيف الإيطالية سوزي في تقديم عرض مميز عنصره الأساسي الشاي وأكياسه. وفي شهادتها تلفت هالة آل خليفة إلى أنه مع كل كيس شاي يجفف ويجمع، تولد فكرة جديدة في مخيلة الفنانة وهي تقوم بعملية الجمع الكبيرة لتلك الأكياس الصغيرة، لتنشئ حوارا مبتكرا بينها كفنانة عربية وبين طاهية من إيطاليا وكي نستمتع نحن بنتاج فني متميز وقوي، يحكي تفاصيل هذه المشاركة بلغة الفنون البصرية والطعام والشاي لتشكل نتاجا ثقافيا مهما. وتقول خليفة “أيقنت أن لا حدود للفن، وأن بإمكان الفنان الحقيقي أن يوظف أي فكرة ويحولها بوسائله الخاصة إلى عمل إبداعي فريد”. أما الشيف سوزي ماسيتي فكتبت في شهادتها تقول “كانت فكرة الشاي مبتكرة جدا، ونحن الوحيدتان اللتان تم تعقبنا في ذلك اللقاء من بين كل الآخرين الذين شاركوا في التحضير للمعرض”. أيقونات جماليةفي قراءتها النقدية بعنوان ظلال الحبر على مسرح الشاي أكدت الكاتبة السورية بسمة شيخو أن اللوحات، التي تشكل حقائب الشاي جوهرها، لا تجبرك على البقاء في عالم السائل الساخن المنعش، لأنها تنقلك إلى مدى أكثر رحابة، فخيال الفنانة الذي يعمل بمنطق الترصيع الذي يشكل عوالم خاصة، يخلق لوحات بموضوعات رصينة محفزة للمخيلة وبحرص شديد لألا تسقط في فخ التكرار. وتستشهد شيخو بلوحة الطيور، التي ترى أنها تعيد نفسها بشكل متطابق وبأوضاع متعددة، حيث يختفي الشاي خلف سكينة الطيور الهادئة والراسية بوقار على أغصان قصيرة في نوع من الجنوح لسلام رزين يشبه الرفرفة. وتضيف شيخو “المطبوعات لم تقتصر على الطيور، فقوالب الطباعة (الكليشات) منوعة، تصنع من الأحبار السوداء أيقونات جمالية لا حدود لها، فنجد الكثير من الزخارف النباتية، تتوزع في أنحاء العمل في محاولة للتركيز على الهوية المحلية للشرق”. وساهمت الإضاءات النقدية في الولوج أعمق إلى عالم مياسة السويدي المحكوم بحركات خطوط ونقاط وحروف وألوان متنافرة حينا ومتوائمة حينا آخر، في نسيج يتجاوز ما اعتدناه من اللوحات التي تقدمها فنانات ميالات إلى القضايا النسوية بمعزل عن غيرها من قضايا لصيقة بها. فالسويدي هنا ليست فقط المرأة المبدعة بل هي الإنسان الشرقي في امتداده غربا وشرقا، في مركزيته ولا مركزيته في آن واحد، حيث كل الصور تنطلق منه وتعود إليه، وهذه هي الرسالة الحق للفن، الذي يبدأ من بيئته منفتحا على الآخر وعوالم خارجية، في تناسق أو لنقل حركة بين الداخل والخارج. ما يحكم اللوحات هو الألوان الترابية والتي تصبح قاتمة حينا وفاتحة حينا آخر خاصة مع لعبة الخيوط التي تدخل في متن اللوحات والأعمال. تركيب متنافرات تقوم به الفنانة بخبرة الطاهي.

مشاركة :