شهد العام الجاري تزايدا ملحوظا في عدد الأعمال الدرامية التي تم عرضها عبر المنصات الرقمية، فخلال شهر رمضان المنقضي عُرض أكثر من أربعين عملا دراميا عبر هذه المنصات، وهو أمر غير مسبوق، ما يعد مؤشرا على تنامي هذه المنصات الجديدة وانتشارها مستقبلا. ويرى الخبير الإعلامي المصري عمرو قورة أن المنصات الرقمية تبدو أكثر سخاء من المحطات التلفزيونية وشركات الإنتاج التقليدية في النواحي المادية، كما أنها توفر فضاء مفتوحا لحرية الإبداع بعيدا عن الرقابة. والأعمال التي تقدمها هذه المنصات عادة ما تتميز بالجودة، كما يقول قورة، ما سيدفع شركات الإعلان مستقبلا إلى التوجه نحوها، خاصة أنها توفر آلية معقولة لقياس نسب المشاهدة لا تستطيع القنوات التلفزيونية توفيرها، الأمر الذي يحتاجه المعلن لقياس التأثير الدعائي لمنتجاته. ويضيف قورة “إن عادات المشاهدين قد تغيّرت، وبالتالي نحن في حاجة إلى مواكبة هذا التغيّر الذي يتطلب إتاحة المحتوى الدرامي أو الإعلامي على نحو مختلف تُراعى فيه الأدوات الجديدة التي تُقبل عليها شريحة الشباب، وهي الشريحة الأكبر في الوطن العربي، فالمشاهد اليوم بات أكثر رغبة في إيجاد ما يتناسب مع ذوقه، في الوقت الذي يريده وبالقدر الذي يبتغيه أيضا، وهو ما تحققه تلك المنصات الرقمية بالفعل”. يلجأ المشاهد إلى هذه المنصات بعيدا عن رتابة المشاهدة الاعتيادية والإعلانات الطويلة، فالمشاهدة مدفوعة الأجر خالية من الإعلانات، وهي ميزة توفرها تلك المنصات الرقمية بعيدا عن المحتويات الرقمية الأخرى مثل موقع يوتيوب مثلا، والذي مثل خلال السنوات الماضية البديل الأكثر انتشارا، كما كان وسيلة مثالية للتعرف على نسب المشاهدة. وظل يوتيوب متربعا على عرش المنصات الرقمية بوصفه خيارا مجانيا وسهلا للملايين من المشاهدين إلى جانب المنصات الرقمية مدفوعة الأجر، مثل نتفليكس.وبعد ظهور نتفليكس ما لبثت منصات عالمية أخرى أن شرعت في البحث عن مكان لها في الفضاء العربي، مثل أمازون وفيو ووافو وغيرها، وظهرت أيضا العديد من المنصات المحلية مثل “شاهد” و“شاهد بلس”. وظل عرض المحتوى الدرامي على هذه المنصات خجولا بعض الشيء ولا يمثل تهديدا مباشرا للقنوات التلفزيونية حتى بدأ في التنامي شيئا فشيئا خلال السنوات القليلة الماضية. ويرجع البعض أسباب الطفرة التي حدثت هذا العام إلى دخول منصات محلية جديدة على الساحة، بالإضافة إلى تزايد عدد الأعمال التي قدمتها المنصات الموجودة بالفعل. وقدمت شبكة نتفليكس، مثلا، هذا العام أربعة أعمال دفعة واحدة هي مسلسل “الكاتب” للمخرج رامي حنا، وبطولة الممثل السوري باسل خياط والنجمة اللبنانية دانييلا رحمة، ويدور العمل حول روائي اسمه يونس جبران متخصص في تأليف الروايات البوليسية. هذا بالإضافة إلى المسلسل الخليجي “أنا عندي نص” للمخرج منير الزعبي وبطولة سعاد عبدالله وسليمان الياسين وبدرية طلبة وشجون الهاجري، ويدور حول امرأة تبحث عن حقوقها في المجتمع، وهو مسلسل يغلب عليه طابع الكوميديا السوداء وعرض أيضا مسلسل “حضن الشوك” للمخرج حمد البدري والذي يعود بنا إلى مرحلة الغزو العراقي للكويت حول طفلة تبحث عن والدتها، والمسلسل من بطولة إلهام الفضالة وإبراهيم الحربي وخالد البريكي، أما المسلسل الرابع، فهو مسلسل “ماذا لو” للمخرج حسين دشتي بطولة خالد أمين ومنذر ريحانة وأسيل عمران. وإلى جانب نتفليكس شهدت الساحة قبل عام تقريبا دخول منصة “وياك” التي قدمت لنا هذا العام عددا من المسلسلات السورية مثل “باب الحارة” و“عطر الشام”، و“لو جارت الأيام” للمخرج محمد نصر الله، والمسلسل المصري “مملكة الغجر” لحورية فرغلي وفيفي عبده. وبدورها زادت منصة شاهد من عدد الأعمال المعروضة عبر موقعها، إذ عرضت هذا العام فقط 20 عملا دراميا دفعة واحدة، بينها أعمال مصرية مثل “شقة فيصل” و“ولد الغلابة” و“قابيل”، وأخرى لبنانية مثل “خمسة ونص” و“الهيبة”، وخليجية مثل “العاصوف” و“ما أدراك ما أمي” و“أمنيات بعيدة”. أما ما أعطى للمنافسة بين هذه المنصات بعدا آخر هذا العام، فكان دخول بعض المنصات العالمية مجال الإنتاج الدرامي لأول مرة، فقد فاجأت شبكة نتفليكس مشاهديها بعد انتهاء الموسم الرمضاني بعرض أول إنتاج درامي لها، وهو مسلسل “جن” المكوّن من ست حلقات وتشارك فيه مجموعة من الشباب الأردنيين.وساهم في إخراج العمل كل من ميرغان بوشعيا من لبنان، وأمين مطالقة من الأردن، وتدور قصته حول مجموعة من المراهقين الذي يستطيعون بشكل ما استدعاء جني من دون قصد، ثم يجاهدون للسيطرة عليه وعلى شروره. وقد أثار مسلسل “جن” فور عرضه عاصفة من الانتقادات في الشارع الأردني لما تضمنه من مشاهد اعتبرها البعض خادشة للحياء، وعلاقات تروّج للإباحية ولا تمتّ للمجتمع الأردني بصلة، بحسب ما أكد الكاتب الأردني وائل البتيري الذي دشّن حملة لوقف عرض المسلسل ما دفع جهات رسمية أردنية إلى التدخل. وعلى الرغم من هذه الانتقادات والهجوم الشديد على المسلسل، إلاّ أن منصة نتفليكس لم تُقدم على وقف المسلسل أو تعديل مضمونه، بل دافعت عن محتواه والمشاركين فيه، وأعلنت عبر صفحتها عن استنكارها لهذا الهجوم، والتنمّر الذي تعرّض له أبطال المسلسل على مواقع التواصل الاجتماعي. ولم يتوقف الأمر عند نتفليكس وحدها، بل أقدمت منصة “فيو” هذا العام أيضا على إنتاج مسلسل عربي آخر بأبطال مصريين وهو مسلسل “زودياك” المأخوذ عن كتابات الكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق. يذكر أن الشركة نفسها سبق وأن أنتجت المسلسل السعودي “دون” الذي تم عرضه قبل رمضان مباشرة، وهو أول مسلسل سعودي يدور في إطار الجريمة والأكشن. ومنذ ظهورها على الساحة في بداية شهر رمضان الماضي أثارت منصة العرض الرقمي المصرية “واش إت” جدلا واسعا في الشارع المصري، إذ حرمت المنصة المملوكة لشركة إعلام المصريين الملايين من المشاهدين في مصر والوطن العربي من متابعة الأعمال الدرامية المصرية عبر موقع يوتيوب. واستأثرت المنصة الجديدة بعرض 15 مسلسلا مصريا، بينها مسلسل “زلزال” لمحمد رمضان و“البرنسيسة بيسة” للنجمة مي عزالدين ومسلسل “قمر هادئ” و“حكايتي” وغيرها من المسلسلات. ويبدو هذا الحراك الرقمي الذي شهده هذا العام مؤشرا للمزيد من التحوّل في طبيعة العرض الدرامي العربي، واعتماده مستقبلا على هذه المنصات التي تقدم خدمة الفيديو حسب الطلب.
مشاركة :