صلاح يوسف الدهش من خلال مخالطتي وتواصلي مع مَن تعاملت معهم، منذ أن وَعَيْت مجرى الحياة الدنيا حتى الآن، لمست الفوارق الكبيرة بين تصرفات البشر ومقادير عطاءآتهم وإيثارهم، وما يرمي كل فرد من وراء ذلك حُبّاً للنفس وبدرجات مختلفة قد تتحوّل الى حد الأنانية المُفرطة. فكنت أتساءل مع نفسي هل يمكن أن يتغاضى كل فردٍ مِنّا عن الأوجاع والآلام الناتجة من تصرفات أنانية بعيداً عن المبادئ والأعراف والتقاليد وآداب الحياة وتوصيات كل الأديان في طرائق التعامل بين البشر؟. من هنا فكّرت أن أكتب بعض السطور عن هكذا موضوع كتنفيسٍ لبعض الضغوط التي قد اُعانيها جرّاء ذلك، وقد يُعانيها الكثيرون مثلي أو أشدّ. وأرى أنَّ موضوعاً كهذا يُعَدُّ واحدًا من الموضوعات الهامة من خلال تأثيراته الكبيرة في حياتنا العامة، لذا سأترك العنان لخواطري مُعبِّرةً عن مشاعري وبإختصار شديد دون المساس بمشاعر الآخرين مهما إنطبقت عليهم بعض ما سيُطرَح من صفات. الأنانية وحُب النَفس مصطلحان لكلٍّ منهما مَعْنىً يختلفُ عن الآخر في الجَوهرِ والمَضمون. فالأنانية مصطلحٌ صَحَّحهُ علماء اللغة وأطلقوا عليه مصطلح الأثَرَة. وهي حب الإكتفاء بالذات وبالأنا (الذات الأنانية) بعيداً عن حب الآخر والإنفتاح عليه وإحتوائه. وتوصف الأنانية أنّها الفرديّة الشرسة في إتّباع أهواء الذات وحب التملّك والغيرة الجنونية وحَسَد الآخَرين التي تدفع الفرد بالشعور الغامر بمركزية الذات وإرادة الإستحواذ على حاجات الغير بدون حق. وهنا يمكن إدراج أشياء كثيرة ضمن هذا المصطلح، منها: الغرور والتكبّر، وإراحة النَفْس التي تصبح خسيسة ودنيئة، وعدم حُبّ مشاركة الآخرين بشيء بل السعادة لشقاءهم، وحُب الإتكالية والإعتماد عليهم والإرتقاء على أكتافهم بضميرٍ ميّتٍ وبلا مبالاة ، بل التَحَسّر على فوات شيء دون الإستفادة الشخصية منهم، مما يؤدي الى كثرة العداوة والخصومة. والشخص الأناني يرفض النصيحة والإرشاد من الآخرين كونه يعتقد أنّه أفضل منهم ولا يُحب الإعتراف بأخطاءهِ التي يرتكبها ظنّاً بصواب رأيه دون الإعتراف بأفضال الآخرين أو الإقرار بمعروفهم، مُحلّلاً لنفسه كل ما يَصُبّ في مصلحته الشخصية مؤدياً الى نشر الشرّ والضرر. وتنمو الأنانية داخل نفوس أصحابها رويداً رويداً حتى تسيطر عليهم بدواخلهم الذهنية لتنفتح فيما بعد بالتصرّف الواضح بروح العصبية النوعية كالمذهبية والدينية والقومية وغيرها. لذلك يمكن وصف الأنانية أنّها داء مُدَمّر لحاملها وأساس كلّ بلاء. وهنا أستشهد بما كتب أريك فرام (ضمن كتابه المعنون: هروب من الحرية) حيث يصف الأناني كونه ذلك الشخص الذي يعيش دوماً بقلقٍ وهو مشغول بنفسه، ويعاني شعوراً حاسداً حارقاً لرؤية إنسانٍ آخر يتمتّع بأكثر مما يملك هو من مالٍ أو جاه. وهذا النوع من البشر لا يحب ذاته أبداً بل بالعمق يكرهها. إمّا حُب النَفس، فهي غريزة أودعها الله سبحانه وتعالى في الذات البشرية كي يحمي عن طريقها كل إنسان نفسه ويخاف على حياته. فكلٌّ مِنّا لا بد أن يُحب نفسه و يرضى عنها ويفيض عطاءً بقدر ما يستطيع ليرتفع بذاته و يَعْلو بها ويَسْمو حتى يصل مرحلة حُبّه لغيره كحُبّه لنفسه وكرهه لغيره ككرهه لها (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ / حديث شريف). وهنا لابد للمُحِب لذاته التحَكُّم بعقله ضابطاً إنفعالاته دون الجري وراء أهواء نفسه فحسب من خلال إطلاق العنان لهذه الغريزة مُنتقلاً الى مفهوم الأنانية، لأنّ هوى النفس المُطلق مُدمّر للذات والآخرين. ومن المعلوم أن الشخصية النامية نمواً سليماً لا يمكنها أن تنذر ذاتها لشيء سوى الإرادة السَمحة للعطاء لتساهم بأريحية في تقديم (قدر المستطاع) كل ما من شأنه إسعاد الآخرين، وهكذا شخصية ترى سعادتها في عيون من أسهمت في إسعادِهم. وفي هذا الصدد يتوجّب رفض حُسْن الظن المُفرِط بأنفسنا (بما يفوق الحدود والأطواق) وعدم منحها المقامات العالية التي قد تفضي الى التفاخر والغرور، اللذان يُعَدّان من أخطر وأضعف العروق التي تنبض في النفوس البشرية وكونهما لا يجلبا سوى الضرر الكبير للذات الإنسانية. ومن أجل ذلك لابد من التجرّد والتضحية ونبذ الأنانية والإبتعاد كلّياً عن روح الإنتقام ولو بمقدار ذرّة كي لا تُستَغَلّ من أصحاب الضلالة بتوريط البعض للإنخراط بالمفاسد.
مشاركة :