رام الله/القدس - فشل المؤتمر الاقتصادي في المنامة الذي يسبق إعلان الجانب السياسي من الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط، في تقديم أي شيء لإقناع الفلسطينيين الذين قاطعوه ونددوا بانعقاده، فيما مرّ مرور الكرام على الإسرائيليين المنشغلين بأزمة سياسية داخلية وبعدوهم اللدود إيران. وتوحدت جميع الفصائل الفلسطينية على إدانة المؤتمر الاقتصادي في البحرين قبل انعقاده، ولم يحظ الحدث بتغطية إعلامية فلسطينية كبيرة. ورغم أن الاحتجاجات التي تمت الدعوة إليها في الضفة الغربية وقطاع غزة لم تكن على المستوى المتوقع، إلا أن العديد من الفلسطينيين تجاهلوا الحدث الذي عقد الثلاثاء والأربعاء في العاصمة البحرينية. وجاءت وجهة نظر الشارع الفلسطيني منسجمة مع وجهة نظر القيادة التي لم تأخذ المبادرة الأميركية لحل النزاع على محمل الجد. وقال الأستاذ الجامعي روحي زيادة في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة "فلسطينيا لم يكن هناك اهتمام بالمؤتمر". وأضاف متهكما "إذا قررت زوجتي أن تطهو لي طبقا لا أحبه، فلن أستطيع تناوله مهما أضفت إليه ونحن لا نريد هذا المؤتمر". وجمدت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية اتصالاتها مع الإدارة الأميركية منذ أواخر العام 2017 بعد اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، انطلاقا من اعتبارها أن واشنطن منحازة بشكل صارخ لإسرائيل. ورفض جميع رجال الأعمال الفلسطينيين البارزين حضور المؤتمر متهمين الولايات المتحدة بمحاولة استخدام نفوذها المالي لشراء تطلعاتهم نحو دولة فلسطينية مستقلة وكان الحاضر الوحيد أشرف الجعبري من مدينة الخليل جنوب الضفة المحتلة، علما بأنه شخصية تثير جدلا كبيرا ويقدم نفسه على أنه رئيس لشبكة أعمال فلسطينية تضم 250 عضوا وهي مؤسسة غير معروفة. ويبدو أن هذه الشبكة تعمل لحساب "غرفة تجارة وصناعة يهودا والسامرة" (الضفة الغربية المحتلة) وهي هيئة مشتركة بين مستوطنين إسرائيليين وعدد ضئيل من الفلسطينيين. وترفض الغالبية الكبرى من الفلسطينيين هذا النوع من العلاقات مع المستوطنين. وقاطع الفلسطينيون مؤتمر البحرين لاقتصار مناقشاته على الفوائد الاقتصادية المحتملة لمبادرة السلام بدون الخوض في الجانب السياسي. وفي نهاية المؤتمر قال مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر إنه "ترك الباب مفتوحا" في حال كان الفلسطينيون مهتمين بالسلام. وأضاف "إذا كانوا يريدون بالفعل جعل حياة الناس أفضل، ها نحن وضعنا إطارا رائعا ويمكنهم من خلاله المشاركة ومحاولة تحقيق ذلك". وأعلنت الولايات المتحدة أنّ خطتها للسلام في الشرق الأوسط تهدف إلى جذب استثمارات تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار لصالح الفلسطينيين وخلق مليون فرصة عمل لهم ومضاعفة إجمالي ناتجهم المحلّي وذلك خلال عشرة أعوام. ورسمت الخطة الاقتصادية التي نوقشت في المنامة مستقبلا "ورديا" للأراضي الفلسطينية في ما يتعلق بالبنية التحتية وتكنولوجيا الجيل الخامس للهواتف المحمولة. والواقع أن قطاع غزة لا يزال تحت الحصار الإسرائيلي وبالكاد يستخدم سكانه تكنولوجيا الجيل الثاني. وتحدث المجتمعون في المؤتمر مرارا عن الفساد في الأراضي الفلسطيني واعتبروا انه سبب للأزمة الاقتصادية وبالكاد تم التطرق إلى الاحتلال كمسبب لذلك. كما لم يتم في البحرين الحديث عن حركة حماس التي تحكم قطاع غزة وخاضت ثلاث حروب مع إسرائيل. وتواجه الحكومة الفلسطينية أزمة مالية خانقة، أجبرتها على أن تدفع لموظفيها البالغ عددهم نحو 130 ألف موظف نصف رواتبهم فقط. ورغم هذه الأزمة، لا يعول المسؤولون الفلسطينيون على نجاح المبادرة الأميركية لتسوية النزاع. وقال المسؤول الفلسطيني أحمد مجدلاني "ورشة البحرين فشلت في تحقيق أهدافها"، مضيفا "لقد كان التمثيل فيها هزيلا والمضمون فارغا". وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يحظى بشعبية. وأوضح عوفر زالزبرغ المحلل لدى مجموعة الأزمات الدولية أن الإدارة الأميركية كانت تأمل في الاستفادة من العائدات الاقتصادية المحتملة لخطتها "لتحسين العلاقة بين الشعب الفلسطيني وقيادته"، لكن الأمور لم تجر على هذا النحو بل حصل العكس. وأضاف "لقد قللوا من أهمية التغطية الإعلامية في وسائل الإعلام الفلسطينية. هذه الخطوة زادت من الرفض الفلسطيني للجهود الأميركية". ويقول الشاب الفلسطيني محمد غليص (28 عاما) الذي يوزع المياه على المكاتب في رام الله إن الفلسطينيين لم يولوا الكثير من الاهتمام للمؤتمر بل اعتبروه "غير مهم"، مضيفا "طبعا إنها رشوة. الحل الاقتصادي ليس بديلا عن الحل السياسي، نريد حلا سياسيا عادلا لقضيتنا". ومر المؤتمر الذي رتبته الولايات المتحدة في المنامة بهدف زيادة الاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني وتمهيد طريق للسلام مع إسرائيل، مرور الكرام على الإسرائيليين المنشغلين بأزمة سياسية داخلية وبعدوهم اللدود إ ولم تشارك فيه إسرائيل بوفد رسمي كذلك. وقال منظمون في أحاديث خاصة إن ذلك مرده القلق من أن يُضعف مصداقية المؤتمر أكثر بعد انتخابات في إسرائيل لم تسفر عن حكومة ائتلافية جديدة. وفي ظل مواجهة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منافسين يزدادون عددا في انتخابات جديدة مقررة في سبتمبر/أيلول وفضائح الفساد التي تحيط به، فإن أفق صنع السلام مع الفلسطينيين الذي يخيم عليه الغموض أكثر من أي وقت مضى، لم يثر نقاشا يذكر في وسائل الإعلام الإسرائيلية. بل إن وزير الاقتصاد إيلي كوهين ذهب بعيدا لدرجة الإشارة إلى أن مؤتمر البحرين ربما أغلق الباب أمام المزيد من الدبلوماسية. وقال لتلفزيون "ريشيت 13" الإسرائيلي "رأينا أن الفلسطينيين لم يحضروا حتى مؤتمرا اقتصاديا كان مفترضا أن يأتوا إليه للحصول على أموال وأدوات وحوافز ولتطوير اقتصادهم". وأضاف "نرى حقا أنهم لا يريدون اتفاق سلام في واقع الأمر. هم ببساطة لا يريدوننا هنا... ظهر وجه الفلسطينيين الحقيقي مرة أخرى". وعبر نتنياهو عن قبول مشروط في 2009 لدولة فلسطينية منزوعة السلاح. ويقول منذ ذلك الحين إنها لن تقوم ما دام في السلطة وإنه يعتزم ضم بعض المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والتي يعتبرها كثير من الدول غير مشروعة. ووصف نتنياهو مؤتمر البحرين بأنه يندرج في إطار مسعى أميركي "لتحقيق مستقبل أفضل وحل مشكلات المنطقة". وقام قبل يومين من افتتاحه بجولة في غور الأردن الاستراتيجي الواقع عند أقصى الحافة الشرقية للضفة الغربية على الحدود مع الأردن، مع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون. وقال إن إسرائيل لا بد وأن تحتفظ بوجود هناك في أي اتفاق سلام. وركزت تغطية إعلاميين إسرائيليين على الاتصالات الإسرائيلية العربية الأوسع والجالية اليهودية الصغيرة في البحرين بنفس قدر تركيزها على غياب الفلسطينيين. وتبادلت واشنطن وطهران التهديدات والتصريحات الساخنة في الأسابيع القليلة الماضية، مع فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران وإسقاطها طائرة أميركية مسيرة في الخليج. ورحب معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب بحذر بالمبادرات التي أُعلنت في المنامة ومنها صندوق استثماري عالمي للفلسطينيين، لكنه قال إن تلك المبادرات لن تفوق المبادرات السياسية أهمية. وكتب تومر فضلون وساسون حداد الباحثان في المعهد "في حين أن الاستعداد لتخصيص استثمارات ضخمة في الاقتصاد والبنية الأساسية والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن يكون خبرا سارا، فإن ثمة حاجة أيضا لخطة سياسية خلاقة ومفيدة على حد سواء للفلسطينيين". واحتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب عام 1967. وسحبت قواتها ومستوطنيها من القطاع عام 2005 لتحكمه بعدها الحركة الإسلامية التي تدعو لتدمير إسرائيل. ويسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية في كل من الضفة وغزة.يران..
مشاركة :