عُرفت صناعة استخراج الزيت من السمسم منذ مئات السنين في المناطق الجنوبية للمملكة، واشتهرت منطقة جازان بهذه المهنة التي تعرف محلياً "بالسليط" وتنتج في معاصر تقليدية تدار بواسطة الإبل. ووثقت دارة الملك عبدالعزيز هذه الصناعة من خلال صورة التقطت قبل 70 عاماً في صبيا بمنطقة جازان، وضمنتها في كتابها "المملكة العربية السعودية في عيون أوائل المصورين" الصادر عام 1419هـ، وتعد من أوائل الصور ووصفتها "أحد المشاهد المألوفة في صبيا للطريقة التقليدية لاستخراج الزيت من السمسم، وهو أحد المنتجات الرئيسة لتهامة (تيسيغر1367هـ / 1947م)"، كما عرَّفت الدارة بهذه الصناعة في فيديو قصير عبر قناتها الإلكترونية. يُذكر أن النوع الممتاز من زيت السمسم يكتسي اللون البني، وتنبعث منه رائحة زكية نفاذة وقوية، كما أن الزيت المستخرج من السمسم الأسود هو الأجود من الزيت المستخرج من السمسم الأبيض، وتكون للزيت ذي النوعية الجيدة رغوة كثيفة عند استخدامه في الطبخ وهو ما يميزه عن الأنواع الرديئة. وسجل الفيلم بصورة مختصرة مراحل استخراج زيت السمسم، التي تبدأ بعصر حبوب السمسم بطريقة تقليدية، حيث توضع الحبوب في جذع شجرة سدر منحوت ويسمى "المخزن" وعادة ما يكون بداخله عود خشبي سميك قوي، حيث تدهن هذه الأخشاب بزيت أو ما شابه، ويسمى هذا العود الذي بداخل القاعدة المجوفة بـ "قطب" والمربوط بعود آخر أصغر منه حجمًا موصول بمجموعة من الأثقال الثقيلة تسمى "ثقالات" مرتبطة بالجمل وتتحرك بدورانه حول الجذع الأول لعصر حبوب السمسم. ويكون عمل هذا الجمل قاصراً على الدوران "عكس عقارب الساعة" حول الجذع الخشبي معصوب العينين حتى لا يشعر بـ "الدوران"، ولإيهامه بأنه يسير في مشوار طويل وحتى لا يرى الواقع الذي يدور فيه حول نفسه، إلى أن ينتهي من هذه المهمة وهي طريقة بسيطة وبدائية، وقد تستغرق أربع ساعات متواصلة حسب كمية السمسم المعصور، فيما ينحصر الجهد البشري في وضع حبوب "السمسم" في المعصرة وتفريغ الزيت الطبيعي. ويستخدم الإنسان زيت السمسم في الغذاء سواءً مع التمر أو خبز الذرة، وفي إعداد الأكلات الشعبية في المنطقة الجنوبية، أما فوائده الغذائية والصحية فكثيرة كدخوله في العديد من الأدوية الشعبية، وعلاج بعض الأمراض كأمراض اللثة والأسنان، كما يساعد على تخفيف نسبة الكُولِسترول، وتليين البطن، وعلاج آلام المفاصل، وبعض السمسم يزرع في جنوب المملكة، خصوصًا في جازان، وبعضه يستورد من الخارج كالسودان، ومن أنواعه الحب الأبيض والحب الأسود وأجودها الحب الأسود الذي يزرع في الأراضي الزراعية. ووقفت الدارة على تطور صناعة زيت السمسم باستخدام طريق الآلة الكهربائية "الدينمو الدوار" الذي يقوم مقام الجمل في الدوران والعصر، وتتكون معصرة السمسم من مكونات عدة أهمها "المعصرة" وهي قطعة من الخشب الكبيرة وأجودها خشب شجر السدر وتحفر بطريقة فنية وأسطوانية ولا يجيد صنعها إلا الماهر، و"السوك"، وهو العمود المخروطي داخل المعصرة والذي يتم من خلاله العصر عن طريق الدوران وتعتمد المعصرة عليه بنسبة كبيرة، و "القوس" من الخشب الممتاز من شجر السدر أو السمر مرتبط بالسوك يحفظ توازن السوك عند الدوران، إضافة إلى "الدائر" وهو من الخشب يلف حول أسفل المعصرة بشكل نصف دائري لحفظ وثبات المعصرة مع وضع الثقل حتى يتم التوازن عند الدوران. وتستخدم قطعة قماش في تصفية الزيت بعد عصره، ويبقى ما بعد العصر ما يسمى "العصار" الذي يعطى للحيوانات لتسمينها، وكان الناس قديمًا يأكلونه مع السكر، ويزيد الإقبال على شراء زيت السمسم في شهر رمضان المبارك، وذلك لاستخدامه في المأكولات الشعبية، كما تزرع حبوب السمسم في محايل عسير وعمق والقنفذة وحلي وبارق والليث.
مشاركة :