يوسف أبو لوز تُرى هل تعلّم الممثل الأمريكي (من أصل إيطالي) = آل باتشينو الحكمة من السينما، أم من الكتب، أم من أجداده الصقليين الذين قد تكون تجري في دمائهم عروق عربية؟ فصاحب «العرّاب»، صنعت أمريكا دماغه السينمائي العبقري، ولكن قلبه صناعة إيطالية متوسطية معجونة بشيء من روحية الشرق، وإلّا لما قرأنا له على سبيل المثال: «.. من الخطأ أن تعامل البشر كلهم بالأسلوب نفسه، فالحذاء والتاج كلاهما يُلبس، لكن أحدهما تضعه على رأسك، والآخر تدوسه بأقدامك ..»، وله أيضاً: «.. إن كنت تريد أن تحلق مع النسور، فلا يمكنك أن تتسكع مع الغربان ..»، ولو ظل صاحب الفيلم الشهير «عطر امرأة» متسكعاً فاشلاً في الأحياء الخلفية في حي هارلم في نيويورك، حيث ولد، لما أصبح واحداً من عرّابي الفن السابع في العالم.. وبشيء من الروحية الشرقية على الأقل في اللون والملامح. لا أدري لماذا أكتب عن سينمائي نجم بهذا التكثيف وبهذه الحماسة العربية، فقد شاهدت كما شاهد ربما الملايين حول العالم كيف جرى أمس الأول هدم جسر موراندي في مدينة جَنَوة الإيطالية ببضع أطنان من ديناميت نوبل (.. وهي على أي حال كمية افتراضية)، ولكن الجسر الذي صممه مهندس إيطالي يدعى ريكاردو موراندي، هَمَد مرة واحدة بعدما فتك به الديناميت، وهوى مثل رجل مسنّ على وجه الأرض في ثوانٍ، منهياً بذلك حياة «جسرية» عمرها نحو 52 عاماً فقط. بعض الجسور مثل الشعراء لا تعمر طويلاً بعدما مشى فوقها الكثير من العشاق ذهاباً وإياباً فوق نهر أو فوق يابسة، وبعض الجسور تولد شابة، وتهرم مع الزمن. ومثلما يحلو للناس المشي فوق الجسور والثرثرة والضحك، يحلو لآخرين الجلوس تحت جسر.. في قلب تلك الظلال التي لا تطالها الشمس. هل بكت جَنَوة على جسرها الذي انهدم في ظهيرة صيفية سريعة، أم أن أهل هذه المدينة المتوسطية راحوا يتذكرون باباواتهم، وبحارتهم وشعراءهم وفنانيهم من رسامين ومغنين وممثلين كانوا ذات يوم قد تمشوا ببطء أو بسرعة هادئة فوق جسر موراندي أحد «أبناء» المدينة التي يحمل اسمها إيقاعاً فينيقياً.. ونحن العرب المتوسطيين لنا نصيب من هذا الإيقاع. أخيراً من آل باتشينو: «كي لا تسقط لا تسند ظهرك على أحد». yabolouz@gmail.com
مشاركة :