تهجير الشيشان إلى بلاد الشام حكاية منسية تعود إلى الواجهة

  • 6/29/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

رافقت بعض حملات التهجير التي شهدها التاريخ الإنساني المعاصر إبادات جماعية ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، لعل أبرزها تهجير الشركس والشيشان من القوقاز، أيام الحكم القيصري، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والأرمن من الأناضول خلال الحرب العالمية الأولى، والإبعاد الجماعي لسكان جمهورية الشيشان- إنغوشيا (كما كانت تسمى في العهد السوفييتي) إلى سيبيريا خلال الحرب العالمية الثانية بأمر من ستالين، والاحتلال الصهيوني لفلسطين، وقتل الآلاف من شعبها، وإرغام الأحياء منهم على ترك أراضيهم لتغتصبها المنظمات الصهيونية المسلحة بدعم بريطاني. التهجير روائيا لا تزال تلك الحملات وجراحها ماثلة في ذاكرة الأجيال الجديدة من الشعوب المهجَّرة، وقد جرى تناول بعض وقائعها وتداعياتها الوجدانية في أشكال أدبية وفنية مختلفة على يد المبدعين من المهجَّرين وأبنائهم وأحفادهم. من أحدث ما صدر في هذا الشأن رواية بعنوان “دمعة ذئب” للكاتبة الأردنية الشيشانية ميمونة الشيشاني، عن دار أكيول التركية للنشر والتوزيع، بالتعاون مع مبادرة راوينا في عمّان. وقبل الوقوف على هذه الرواية لا بد من الإشارة إلى عملين روائيين رائدين سبقاها، الأول بعنوان “الخروج من سوسروقة” (1993)، والثاني “سوسروقة خلف الضباب” (2002)، للكاتبة الأردنية الشركسية زهرة عمر. وهما تسردان حملة تهجير الشركس من وطنهم الأصلي، واستقرارهم المشتت في أنحاء من العالم العربي، والتغيرات التي طرأت على حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ما ظل منها وما اختفى، وإسهامهم في بناء العاصمة الأردنية عمّان، منذ بدايات القرن العشرين.أما رواية “دمعة ذئب” فإنها تُعد أول رواية تتناول قضية تهجير الشيشان إلى الأردن خاصة، وبلاد الشام بشكل عام في أوائل القرن العشرين، من خلال قصة حب ملحمية تركز على ثلاثة أبعاد (الأرض والشيشان والحرية)، اعتمدت مؤلفتها في كتابتها على الكثير من المصادر التاريخية الموثقة، وهي تنتقل بالقارئ إلى أمكنة مختلفة من الشيشان، إلى تركيا، إلى بلاد الشام. كما تتواشج وتتعاطف في فصل من فصولها مع القضية الفلسطينية، من خلال ذاكرة مهجّر معمّر يعيش في مدينة الزرقاء الأردنية، وتتأرجح أحداثها بين الفرح والألم، وبين الماضي والحاضر ليتعرف القارئ على بلاد الشيشان، وعاداتهم وتقاليدهم وأمثالهم وأساطيرهم وحكاياتهم الشعبية، إضافة إلى الأبطال الذين قضوا نحبهم وهم يدافعون عنها. تقوم الرواية على التداخل بين أجناس أدبية وفنية مختلفة، فهي تجمع في فصولها بين المشاهد السينمائية، والحوار المسرحي والشعر والحكايات والأساطير والطرائف، والأحاجي والألغاز وأدب المذكرات وأدب الرحلات وأدب المقاومة الشيشانية، وتتحدث عن الموسيقى والغناء والرقص والفن التشكيلي والتراث الشعبي ببعديه المادي والمعنوي. حارسة الذاكرة اعتبر الباحث في القضايا الشيشانية الدكتور أمين شمس الدين داسي، في تقديمه للرواية، أن الوجه التاريخي لهذه الرواية مادة قيمة تضاف إلى مكتبة الأدب الأردني والعربي والعالمي، “حيث أنها تدور حول هجرة الشيشان من بلادهم في شمال القوقاز إلى أراضي الدولة العثمانية آنذاك، وانتهاء في إمارة شرق الأردن في أواخر القرن التاسع عشر، وتصف الهجرة، وحال المهاجرين قبلها، وفي أثنائها، وبعدها، والمآسي والأهوال التي عاشوها، بأسلوب شيق وجذّاب، عميق المعاني”. وبيّن داسي “أنه رغم الأحداث المريرة التي مرت بها الشيشان تاريخيا فإن أهلها صمدوا، وتحمّلوا، وصبروا، وبنوا جمهوريتهم من جديد، وحصلوا على حكم ذاتي واسع، أسهم الجميع في تطويره وازدهاره، حتى غدت عاصمة جمهورية الشيشان واحدة من أجمل مدن القوقاز”. ووصف الناقد محمد المشايخ كاتبة الرواية بأنها حارسة الذاكرة الشيشانية، لحرصها على تاريخها، وبحثها الدائم عن الأصالة، والينابيع الأولى لها، فهي الوحيدة التي تحدثت بصراحة مطلقة عن المرأة الشيشانية من خلال سردها للشتات الشيشاني. وتوضيحها للعالم كيف أن الشيشانيين يحبون وطنهم وأرضهم، مثلما يحبون الحياة، ولذلك استبسلوا في الدفاع عنهما، وقدّموا أرواحهم فداء لهما، واستشهد كثيرون منهم، ومن ظل على قيد الحياة حمّل نفسه وأبناءه وأحفاده رسالة مفادها أن الذاكرة ستبقى حيّة سعيا إلى تحقيق أمنية تاريخية تتمثل في العودة إلى الشيشان مهما كان الثمن، ومهما طال الزمن.

مشاركة :