منذ ما يقرب من ألف عام، كانت “أوكسفورد مالميزون” قلعة تحوّلت في ما بعد إلى سجن أكسفورد الذي بقي على حاله حتى عام 1996، ليصبح في فترة لاحقة أحد أفخم الفنادق، ويوفر لضيوفه معاملات من صنف الـ4 نجوم. وعلى عكس السجانين، فإن الموظفين ودودون، وعلى استعداد دائم للمساعدة في حجز الجولات السياحية والنشاطات الترفيهية في المدينة. وحوّلت اسكتلندا معتقلا نازيا سجن فيه الجنرال رودولف هيس نائب الزعيم النازي أدولف هتلر إلى جانب الآلاف من الجنود الألمان إلى فندق من 4 نجوم، يضم أجنحة فاخرة وعددا كبيرا من الغرف الفندقية. وأصبح بمقدور النزلاء الإقامة في نفس الأكواخ التي أقام فيها هيس وجنوده الذين تم أسرهم من قبل الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية. هناك أيضا، سجن بلمربايس في العاصمة الهولندية أمستردام، والذي تحول إلى فندق “موفمنت”، وفيه يعيش النزلاء تجربة فريدة تتعلق بتاريخ السجون لكن بصيغتها الفاخرة، هناك يجدون كاميرات مثبتة في المصاعد وأسلاكا شائكة، ومع ذلك فهم يحظون بكافة المعاملات التي يتوقعونها في أي من الفنادق السياحية. وقبل ذلك، وفي 2012، قامت إحدى الجمعيات الخيرية بشراء أحد السجون العائمة في أمستردام، وقامت بتحويله إلى فندق عائم. وفي فنلندا، كان فندق كاتاجانوكا مركزا لاحتجاز المتهمين قبل المحاكمة في هلسنكي قبل أن يغلق، وبعد أعمال ترميم واسعة النطاق، أصبح فندقا فخما افتتح أبوابه في 2007. قائمة السجون التي تحولت إلى فنادق طويلة، لكن الفكرة طريفة تدفع الناس لعيش المغامرة في عطلة يرتفع فيها منسوب الأدرينالين، في رسالة واضحة الأهداف للمستثمرين التقليديين في قطاع السياحة الذين شيدوا نزلا فخمة على الشواطئ منتظرين السياح في ملابس البحر، أو في مناطق ذات طبيعة ساحرة سرعان ما يملها الزوار بعد أسبوع من الراحة والتجول، أو الاسترخاء. تستحق القرى المهجورة ذات الطبيعة المميزة في البلدان العربية إلى إعادة بعثها كمشاريع سياحية بأفكار طريفة الأفكار الطريفة لا تنتهي على عكس ما يتصور هؤلاء المستثمرين التقليديين،لأن السياحة تتجدد مع تجدد أهواء الناس وأمزجتهم، وإلا ما الدافع الذي يجعل الناس تقضي عطلة نهاية الأسبوع في غرفة فندقية كانت في الأصل عربة من عربات القطار القديمة على خط سكة حديد “ويست سومرست” بالمملكة المتحدة. هناك يستمتع النزلاء بالهدوء الممزوج بضوضاء القطارات التي تمر بجوار العربة الفخمة التي تحتوي على غرفة النوم الفاخرة والحمام الساخن، حيث يمكن للسائح الاستمتاع برؤية القطار أثناء الاستحمام، أليست تجربة فريدة؟ التجربة قد تفتح خيال النزيل على تاريخ هذا القطار حين كان يعمل خلال فترتي الحربين العالميتين، وما كان ينقله من جنود وعتاد. تجربة تحويل عربات القطارات ليست فريدة لكنها تظل مثيرة، فقد حوّل زوجان بريطانيان عربات النوم داخل قطارات الحوادث البالية إلى غرف فندقية للإيجار في محاولة منهما لتحسين ظروفهما المادية. ولم تكلفهما أول عربة اشترياها من الحكومة سوى 250 دولارا ليجعلاها منزلا لهما، لكن تجديدها تكلف بنحو 18 ألف دولار، وهو ما اضطر الزوجين إلى اللجوء لفكرة تأجير منزلهما الجديد لتعويض جزء من المبلغ الذي تكبداه، غير أن الفكرة لاقت إقبالا كبيرا في مقاطعة كورنوال الساحلية، والتي يقصدها الآلاف من الزوار سنويا بغرض السياحة. بعض السياح اعتبروا الفكرة نوعا من التغيير، ما دفع الزوجان لتوسيع المشروع وتزويد الغرف بكافة سبل الراحة، حيث تشمل العربة غرفة معيشة وغرف نوم ومطبخا مجهزا وجميع الأجهزة الكهربائية، كما قاما باستصلاح الأرض الخلاء حول عربات القطار لتوفير إطلالة هادئة للنزلاء. لا تنتهي الأفكار الطريفة في ابتكار مشاريع سياحية لا تصنف في خانة السياحة التقليدية، وهي أفكار تلقى رواجا بين السياح الذين صاروا لا يميلون إلى الفنادق الفخمة إلا الزبائن القدماء منهم أو الذين يأتون في مهمات عمل، أما البقية فلهم في بيوتهم أرائك للاسترخاء وحمامات ساخنة وغرف نوم مريحة، ولكن ليس لديهم أكواخ، أو أسرة معلقة في الأشجار، وليس لديهم أيضا مغارات وغرف نوم مسقوفة بالحطب والقصب. الأفكار تتوالد وتتجدد لأنها قديمة في الأصل، وهي غير محصورة بحدود جغرافية أو بزمن معين، ففي العراق تعود بيوت القصب والبردي المبنية فوق المسطحات المائية في الأهوار إلى خمسة آلاف سنة، وهي اليوم مقصد سياحي للتمتع بالأجواء الهادئة والمأكولات الشعبية الشهيرة مثل المسكوف في رحلة ينظمها سكان الأهوار أنفسهم. مثل هذه الأماكن السياحية موجودة في الدول العربية وهي كثيرة أيضا، لكن عدم شهرتها يعود لانعدام الأمن في أغلب الدول العربية السياحية، وقلة الترويج لها ولو على مواقع التواصل الاجتماعي. الإشهار المجانيالمشاريع السياحية الصغيرة والطريفة لا تصل إلى السياح بسهولة، لأن المستثمرين فيها ببساطة لا يملكون من المال الكافي للتعامل مع وكالات الإشهار والتلفزيونات للترويج لمشاريعهم وأكواخهم المعلقة في قرية جبلية نائية. لكن أصحاب هذه الأفكار الطريفة في قطاع السياحة لا يعرفون العجز خاصة الشباب الذي يتقد حماسة، وهم غالبا ملمون بتقنيات التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي ودورها في الترويج والإشهار، والتعريف بمقاصدهم السياحية، لذلك تجدهم يعملون على نشر الصور والسلفيات والستوريات المتعلقة بمشاريعهم ونشرها على مختلف المواقع الاجتماعية، وهو الأمر الذي وسّع من دائرة أصدقائهم الافتراضيين للغرض. وفي الوطن العربي لنا من البيوت الطينية والتاريخية الكثير، منها التي تصلح لأن تكون مزارات سياحية، كما يوجد من الشباب من له من الأفكار في المجال السياحي ما يجعله يبعث مشروعا سياحيا طريفا، لكن يعاني أغلبهم من كثرة العوائق التي تفوق طاقتهم أحيانا مثل انعدام الأمن في بلدانهم وانتشار آفة الإرهاب في السنوات الأخيرة بالخصوص، ما يجعل السياح يجفلون عن زيارة هذه الدول. فأكواخ القصب في أهوار العراق تعاني من انعدام الأمن الذي يحول دون قدوم السياح الأجانب إليها، وعلى الرغم من شهرتها إلا أنه لا يزورها إلا العراقيون وهو ما لا يشجع الشباب على استثمار أفكارهم فيها. قرى سياحية ليس الشباب وحده هو المطالب بابتكار أفكار لبعث مشاريع سياحية مختلفة، فقط لأنهم عاطلون عن العمل أو لأنهم بحاجة لتأمين مستقبلهم، فالسلطات السويسرية حولت قرية كوريبو بأكملها وهي أصغر بلدية في سويسرا إلى فندق مفتوح ومتناثر الأطراف لتنقذها من الاندثار. بعد أن بدا الشباب يهجرها منذ قرنين، حافظت القرية على منازلها التقليدية، وبعيدا عن تفاصيل هذا الفندق الجديد وخدماته، نتساءل كم من قرية في دولنا العربية ذات طابع مختلف من حيث المعمار أو الطبيعة، في مرتفعات السعودية وبين أحضان الطبيعة العمانية، أو في القرى البربرية في تونس، أو في الصحراء الجزائرية. كثيرة هي القرى المهجورة التي نعجز حتى عن حصرها، وغادرها شبابها دون عودة، لأن الحياة فيها أصبحت معدومة بالنسبة لهم، وأصبحت بعض هذه القرى مهددة بالزوال لتداعي بنيانها، كقرية تكرونة التي تقع على إحدى الهضاب الجبلية التونسية محاطة بأهم المدن، وهي الحمامات وسوسة والقيروان. السلطات السويسرية، ابتكرت حلا سحريا لهذه القرية التي لم يبق فيها من السكان سوى عدد قليل، لتجعلها نزلا فاخرا للباحثين عن الاسترخاء والهدوء، حتما سيكونون بأعداد كثيرة لما تتميز به كوريبو من طبيعة خلابة، ولما ستبذله السلطات المهتمة بالقطاع السياحي. وفي الدول العربية، القرى ذات المعالم الطريفة في طبيعتها أو معمارها لا تحصى ولا تعد، لأنها كثيرة حقا، وخاصة منها تلك التي أقيمت في الجبال والمرتفعات، ثم أقيمت بجانبها مدن عصرية فهجرها شبابها بحثا عن فرص أفضل، ويكفي أن نبحث في قرى إحدى الدول مثل سلطنة عمان أو السعودية، لنعرف أن هناك عددا من القرى ذات المعالم الفريدة صارت بلا سكان. ففي السعودية مثلا لا حصرا نجد منطقة وادي لجب وهي عبارة عن شق صخري يتوسطه جريان المياه في شمال شرق مدينة جيزان في السعودية، منطقة تصلح للتنزه والتجديف والسباحة، وهناك أيضا جبال فيفا في جازان وهي منطقة جبال ملتفة حول بعضها، كذلك نجد قرية عين الأثرية وصحراء الربع الخالي. دول عملت على ترميم بعض القرى من باب المحافظة على التراث، لكنها لم تعمل على الجانب السياحي من ناحية الترويج الإعلامي لقرى معلقة في السعودية مثلا، وإن كانت دولة مثل سوريا تعاني من انعدام الأمن الذي منع التدفق السياحي عليها، رغم أن قراها ذات صيت سياحي شهير بين دول الخليج على الأقل. هذه القرى المهملة في دولنا العربية تحتاج إلى بعض الاهتمام من قبل السلطات المهتمة بالقطاع السياحي، كما أن شبابها يحتاج إلى بعض التشجيعات لترجمة أفكاره إلى واقع ومشاريع سياحية فريدة.
مشاركة :