رغم الجهود الكبيرة والإجراءات العسكرية والأمنية المشددة التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية والقوى الأمنية الأخرى، خاصة في شبه جزيرة سيناء حيث تحولت إلى ما يشبه المعقل للجماعات الإرهابية وتحديدا بعد ظهور وصعود ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذي أسس فرعا له في شبه الجزيرة المصرية أطلق عليه (ولاية سيناء)، رغم كل هذه الخطوات الاستباقية والاحترازية، يلاحظ أن هناك تصاعدا في عدد ونوعية الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها القوى العسكرية والأمنية المصرية والتي ينجم عنها في كثير من الأحيان سقوط أعداد من الضحايا فضلا عن المصابين، الأمر الذي ينم عن أن هذه الجماعات باتت على قدر كبير من التنظيم والتسليح النوعي، ما يثير الشكوك حول الكيفية والطريقة التي تحقق بها ذلك. من المعروف أن مصر كانت واحدة من الدول العربية، إن لم تكن في مقدمتها، التي كانت مستهدفة بموجات ما يسمى «الربيع العربي»، وبالتحديد على طريقة «الربيعين» السوري والليبي وليس التونسي، أي إدخال مصر -كما هو حال كل من سوريا وليبيا- في حالة من الفوضى والصراعات الداخلية وصولا إلى السقوط في فخ الحرب الأهلية تمهيدا لتدخلات مباشرة من جانب قوى إقليمية ودولية لها بصمات واضحة في الحالتين السورية والليبية، لكن مصر لأسباب كثيرة، في مقدمتها وعي الشعب المصري ووحدة قواتها المسلحة فوتت هذه النوايا الشريرة، لكنها لم تسلم بكل تأكيد من المحاولات الخبيثة التي تستهدف أمنها الوطني. ليس هناك أدنى شك في أن القوى الإرهابية التي تنشط في سيناء وفي غيرها من المناطق المصرية والتي تنفذ بين الحين والآخر عمليات إرهابية سواء ضد قوى الجيش والأمن المصري أو ضد المصالح المدنية والمؤسسات الأهلية والدينية المختلفة، لديها أحبال سرية تتغذى عليها وتساعدها على البقاء والعمل في الداخل المصري، بهدف استنزاف مصر ومنعها من وضع عربتها الوطنية على السكة الصحيحة للخروج من الأوضاع التي أفرزتها سنوات التغييرات السياسية التي مرت بها بعد أحداث عام 2011 والصراع السياسي مع قوى الإسلام السياسي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين الذين شاركوا في عملية خطف الدولة المدنية المصرية. حتى الآن ورغم ما تواجهه مصر من أعمال إرهابية ومحاولات مستميتة لجر الشارع المصري نحو الصراع الداخلي كما هو الحال في أكثر من دولة عربية أصابتها رياح ذلك «الربيع»، فإن مصر استطاعت الصمود والتغلب على مثل هذه المحاولات، فالأعمال الإرهابية التي تنفذها جماعة سيناء أو غيرها من الجماعات العاملة في مناطق مختلفة من مصر، لن تتمكن من تحقيق هدف تخريب مصر وزجها في المتاهات الدموية المدمرة، صحيح أن مثل هذه الأعمال تزعج السلطات المصرية وتتسبب بكل تأكيد في إحداث خسائر بشرية ومادية، وتخريب اقتصادي واجتماعي، إلا أنها تبقى محدودة التأثير لا يتعدى توقيت وقوعها. مثل هذا التقييم لتبعات ما تقوم به الجماعات الإرهابية من أعمال إجرامية داخل مصر، لا يعني التقليل من خطورة وجودها واستمرار أنشطتها، ذلك أن مثل هذه الأعمال تبقي الأمل قائما على القوى التي تستهدف مصر وتسعى لإشغالها وتعطيل دورها الوطني والقومي، ومن ثم فإن التصدي لهذه الجماعات ولأنشطتها الهدامة يجب أن يحتل درجات عالية من الاهتمام لدى مختلف الفعاليات المصرية، الرسمية منها والأهلية، فالمطلوب هو تضييق الخناق على تحركات هذه الجماعات وتقليص المساحات «الحرة» أمام تحركاتها، خاصة المساحة الأهلية التي تجد هذه الجماعات لنفسها في أوساطها ملاذا شبه آمن. كما سبق القول، فإن الجماعات الإرهابية لم تستطع أن تحقق هدفها والأهداف الاستراتيجية للقوى التي تحتضنها وتمولها، لكن ذلك لا يعني أن أعمالها لم تتسبب في أضرار لمصر، خاصة في المجال الاقتصادي، فاستمرار الأنشطة التخريبية والإرهابية لهذه الجماعات أثر كثيرا على نشاط القطاع السياحي في مصر الذي يعتبر واحدا من أهم القطاعات الإنتاجية التي تسهم إسهاما كبيرا في الاقتصاد الوطني، فمع تصاعد الأعمال الإرهابية لهذه الجماعات تراجعت أعداد الأفواج السياحية إلى مصر، وخاصة تلك المتوجهة على المرافق السياحية في شبه جزيرة سيناء، فحادث تفجير الطائرة المدنية الروسية في شهر أكتوبر عام 2015. التي تقل سياحا روسيين عائدين من سيناء خلف أضرارا اقتصادية على القطاع السياحي المصري. فالأجهزة العسكرية والأمنية المصرية أثبتت حتى الآن قدرتها على التعامل مع الأنشطة العدوانية والتخريبية لمختلف الجماعات الإرهابية، سواء تلك التي تنشط في سيناء أو على الحدود المصرية مع ليبيا، هذه الدولة التي تحولت بعد الغزو الأطلسي وإسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي إلى أحد أخطر أوكار الإرهاب المجاور لمصر، ومع ذلك فإن الوقائع على الأرض لا تشير إلى قرب الانتصار النهائي والحاسم على الجماعات الإرهابية في مصر لسبب بسيط وهو أن هذه الجماعات تحظى باحتضان ورعاية خارجية، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى فإن الأفكار التي تغذي أنشطة هذه الجماعات لا تزال تعشعش في بعض الفئات المجتمعية، لكن في كل الأحوال فإن حبل الإرهاب لن يمتد إلى مسافة أطول مما وصل إليه حتى الآن، سواء في مصر أو في غيرها.
مشاركة :