يؤكد تعويل رئيس حكومة “الوفاق” الليبية فايز السراج على وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني لإقناع روما بلعب دور أكبر في ليبيا، ما تردد من أنباء في الأشهر الماضية عن وجود انقسام في الموقف الإيطالي بشأن التعامل مع الأزمة الليبية خلق حالة من التردد بشأن استمرار دعم حكومة طرابلس. ويعمق ذلك التردد عزلة حكومة طرابلس الواقعة تحت سيطرة الإسلاميين والتي فقدت الدعم الأوروبي والعربي ولم يتبق إلى جانبها سوى تركيا وقطر. وطالب السراج إيطاليا بـ”التدخل بشكل حازم للتوصل إلى إحلال السلام في ليبيا”. ووفقا لمصادر مقربة من نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، فقد جاء هذا الطلب خلال اللقاء الذي جمع صباح الإثنين في مقر محافظة ميلانو السراج وسالفيني، بحسب وكالة آكي للأنباء الإيطالية. وبعد أن باءت محاولته بإقناع رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي ووزير الخارجية إينزو موافيرو ميلانيزي بالتدخل لصد قوات الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر من دخول العاصمة، رغم تلويحه بفزاعة داعش والهجرة، لجأ السراج لماتيو سالفيني للضغط على حكومة بلاده للخروج من موقف الحياد الذي فرضته الانتصارات المتتالية للجيش وبدأ يظهر نسبيا بعد معركة طرابلس. وكان السراج حذر بعد نحو أسبوعين من انطلاق معركة تحرير طرابلس، من أن الحرب في بلاده قد تدفع أكثر من 800 ألف مهاجر نحو سواحل القارة الأوروبية، كما أن الآلاف من الليبيين سيفرون بسبب المعارك، وهو ما اعتبرته السلطات الإيطالية ضربا من المبالغة. وعقب ذلك زار السراج روما لكنه لم يجد ما كان ينتظره حيث طالبته الحكومة الإيطالية بضرورة وقف القتال واستئناف المفاوضات، وهو الموقف الذي كان يرفضه هو وتيار الإسلام السياسي الذي يرى في ذلك المطلب انتصارا للجيش الذي سيتمكن من التفاوض من موقع أفضل مما كان عليه قبل 4 أبريل تاريخ إطلاق عملية تحرير طرابلس من الميليشيات والجماعات الإرهابية. ورغم أن إيطاليا لم تسحب قواتها من المستشفى العسكري الذي أنشأته في مدينة مصراتة منذ 2016 والذي يقول كثيرون إنه غطاء إنساني لدور إيطالي عسكري في ليبيا، إلا أن عدم تحركها لإنقاذ حكومة “الوفاق” وأذرعها العسكرية يعكس وجود محاولة للبقاء على الحياد تحسبا لتغير في موازين القوى قد يحدث في أي لحظة.ودعمت روما حكومة “الوفاق” بقوة عند دخولها طرابلس في نهاية مارس 2019، لكن الانتصارات المتتالية للجيش الذي بات يسيطر على الأغلبية الساحقة للحقول النفطية والموانئ النفطية وإقليمي برقة وفزان إضافة إلى عدد من المدن في المنطقة الغربية واقترابه من تحرير العاصمة دفعا روما إلى مراجعة مواقفها وبدأت منذ نحو سنة محاولات للعب دور الوساطة ما يحتم عليها التزام الحياد. وزار المشير خليفة حفتر روما في 17 مايو الماضي حيث بحث مع جوزيبي كونتي سبل وقف إطلاق النار. وعقب اللقاء قال كونتي “لقد دعوت إلى وقف إطلاق النار ونثق في أنه يمكن السير في طريق الحل السياسي”. وجاءت زيارة حفتر إلى روما عقب أيام من جولة أوروبية “فاشلة” للسراج استهلها بزيارة روما. ونهاية أبريل الماضي قال كونتي إن “حكومة بلاده لا تنحاز إلى حفتر ولا إلى السراج ولكن إلى الشعب الليبي”. وفي نوفمبر 2018 عقد مؤتمر دولي في باليرمو جاء كرد على مؤتمر عقد في باريس في مايو من نفس العام. واحتدم التنافس خلال السنوات الأخيرة بين روما وباريس على ليبيا وهو ما تسبب في عرقلة التوصل إلى تسوية للأزمة العاصفة بالبلاد منذ سنوات، باعتراف المبعوث الأممي غسان سلامة. وإذا كانت حكومة “الوفاق” مدعومة بقوة من قبل إيطاليا فإن فرنسا اختارت دعم الجيش وقائده خليفة حفتر. ونقلت المصادر عن السرّاج انتقاد الاستراتيجيات التي تبنتها بلدان أخرى في المنطقة، بدءا من فرنسا وهو ما بدا محاولة لاستفزاز سالفيني الذي كادت تصريحاته المنتقدة للتدخل الفرنسي في ليبيا أن تتسبب في أزمة دبلوماسية بين روما وباريس. عرقلت باريس في بداية المعركة مشروع قرار أوروبي، تتهم روما بالوقوف خلفه، يهدف إلى إدانة الجيش الليبي وعبّر سالفيني والذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس الوزراء في يناير الماضي، عن أمله في أن يتحرر الشعب الفرنسي قريبا من “رئيس بالغ السوء”. وقال سالفيني حينئذ إن فرنسا لا ترغب في تهدئة الأوضاع في ليبيا التي يمزقها العنف بسبب مصالحها في قطاع الطاقة. وفي المقابل يفضل رئيس الحكومة الإيطالي ووزير خارجيته التعامل مع التدخل الفرنسي في ليبيا بشكل أكثر هدوءا. وظهرت بوادر تباين بين روما وباريس في بداية معركة تحرير طرابلس، لكن سرعان ما تم تقريب وجهات النظر. وبدأت ملامح التقارب الإيطالي الفرنسي تتبلور منذ اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيطالي إينزو موافيرو ميلانيزي منتصف مايو الماضي بنظيره الفرنسي جان إيف لودريان، حيث بحثا مستجدات التطورات العسكرية في طرابلس. وأشارت تغريدة للبعثة الدبلوماسية الدائمة لإيطاليا لدى الاتحاد الأوروبي إلى أن “اللقاء شهد تقاربا واسعا في وجهات النظر حول ليبيا”. وربط مراقبون ذلك التقارب بالاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخليفة حفتر الذي أبان عن دعم للجيش الليبي واعتراف بدوره في محاربة الإرهاب وحماية المنشآت النفطية. وعرقلت باريس في بداية المعركة مشروع قرار أوروبي، تتهم روما بالوقوف خلفه، يهدف إلى إدانة الجيش الليبي. وقال ماتيو سالفيني حينئذ “لن أقف متفرجا إن كان هناك من يمارس لعبة الحرب لأجل المصالح في ليبيا”. وأضاف “إنها مسألة ساعات لمعرفة ما إذا كانت فرنسا تدعم أحد الطرفين اللذين يتقاتلان أثناء هذه الساعات في ليبيا”.
مشاركة :