حين يموت الشاعر أمينا لقصائده

  • 7/4/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قلت لعبدالرزاق عبدالواحد الشاعر العراقي المندائي، ما الذي يجعلك باقٍ على ود مع الجواهري وأنت تعشق صدام حسين؟ حدّق طويلا بي واستذكرنا معاً، عزوفه عن الحضور لبرنامج شهير كان الأول كل خميس في بغداد اسمه “ستديو الشباب” كنت معدّا له، في ذلك اليوم الحزين الذي رحل فيه الجواهري في يوليو من عام 1997. قال عبدالواحد متأثرا “الجواهري أستاذي ومعلمي وهو أول من بشّر بي خليفة له في مملكة الشعر، وهذا تقييم كبير أن يضع كتفي بكتف شاعر كبير من أمثاله، وهو مجد ما بعده مجد”. وأردف مستذكرا أيام العراق وكيف كان الجواهري يعنفه بمودة حين يسأله عبدالرزاق: كيف تجرؤ أن تضيف مفردات جديدة إلى اللغة لم تك في قاموسها، يضحك عبدالرزاق طويلا وهو ويستذكر غضب الجواهري عليه. قال لي: مازحا ابن.. تستكثر على الجواهري أربع كلمات جديدة أضفتها لقاموس اللغة ولا تستكثر ذلك على المتنبي والبحتري اللذين اشتقا عشرات المفردات واستحدثاها، في لغة العرب. أما عن الراحل صدام والكلام لعبدالرزاق عبدالواحد “فقد كان فارسا معي وجدت فيه صوتاً عربياً لطالما تمنيناه، وهو بالمناسبة كان يضعني موضع الشاعر في حضرة الأخ الكبير الكريم بكل شيء”. وأتذكر أن عبدالرزاق عبدالواحد حين فرغ من مقابلة شهيرة له في محاورة تلفازية معه بدبي، إنه استشاط غضبا حين سأله مفكر معمم مثقف في بيت أحد الصحافيين العرب، يوم كان مُحتفى بعبدالرزاق وزوجته أم خالد في بيته بحضور خلطة من الصحافيين العرب، سأله: أنّى لشاعر كبير مثلك أن يسخّر قلمه لدكتاتور؟ لم أر عبدالرزاق بحالة من الغضب كما رأيته آنذاك حين غادر الجلسة وترك الجميع وهو يعترض على قول ذلك العراقي المعمم الذي يحب عبدالرزاق كثيرا ويظنه وريثا شرعيا للجواهري فهو من عائلة تغرف من العلم الكثير. تشظت تلك الجلسة يومها وغادر الشاعر المجلس ثائرا، لولا توسلنا بعودة وطلب أم خالد ومضيّفنا معا. عبدالرزاق عبدالواحد لم يكن شاعر بلاط ليمتدح زعيمه بل شاعر وطن يبحث عن بطل وجده في شعره وحياته، كان له القدح المعلى ليقول ما يشاء إلى الحد الذي يخاطب زعيمه (وبيتك بزل الثوب ينبزل..) أي بيتك يتداعى. ظل وفيّا رغم تغرّبه وتركه بيته وأهله وملاعب صباه ليموت بعيدا عن وطنه وعن قصائده التي كانت تتوالد بقرب ضفاف دجلة، حيث بيته وأصدقاؤه وجنون الشعر والعشق الذي ظل أمينا لها، مات بعيدا حيث تأفل النجوم.

مشاركة :