البيروقراطية تقمع فرص استثمار الفوسفات في تونس

  • 7/4/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يحّمل خبراء ومختصون تونسيون التأخر في استثمار احتياطات الفوسفات المنسية في المناجم المنتشرة في وسط وغرب البلاد إلى البيروقراطية المكبلة لمناخ الأعمال في هذا القطاع الاستراتيجي. ورغم ترسانة التشريعات المواكبة لهذه الصناعة، لا يزال القطاع يعاني من ضعف الحوكمة وغياب السياسات القادرة على إيقاظ فرص تصنيع الخامات التعدينية وتطويرها. ويختزل مشروع شقطمة فوسفات جدليان بولاية القصرين، الذي استوفى كل الإجراءات والدراسات القانونية والمخبرية منذ 2010 ولا يزال ينتظر ترخيص استغلاله منذ 2017، تلك الوضعية، التي أضرّت بالقطاع كثيرا. ويفوّت تراخي الدولة في إطلاق مثل هذه المشاريع في قطاع يعدّ أحد أبرز محركات النمو للاقتصاد التونسي، الفرصة على البلاد لرفد خزائنها بأموال إضافية هي في أمسّ الحاجة إليها. وكان فتحي حشيفة رئيس شركة شقطمة فوسفات جدليان قد أكد في وقت سابق هذا العام أن المشروع جاهز للاستغلال بعد استكمال كل الإجراءات، وينتظر التراخيص من وزارة الصناعة. وقدّمت الشركة ملفا كاملا وشاملا للمصالح المعنية بوزارة الطاقة والمناجم، التي ألحقت برئاسة الحكومة بعد فضيحة فساد في إسداء عقود الطاقة، وتم عقد سلسلة من الاجتماعات بين الطرفين، لكنها إلى الآن لم تتمكن من الحصول على ترخيص ودون تقديم توضيحات حول أسباب التأخير. 200 مليون طن حجم احتياطات منجم جدليان من الفوسفات الخام، وفق الدراسات الفنية للمشروع وعلّق حشيفة بأنه لا يوجد سبب مباشر يدفع الدولة إلى تعطيل استغلال مشروع واعد مثل هذا. ولخص حديثه في تصريح لـ”العرب” بالقول “نحن جاهزون لبدء العمل من الغد إذا قررت الدولة منحنا رخصة الاستغلال”. وأضاف “لا يمكن إعطاء تاريخ محدد أو ضبط موعد دقيق لبداية الأشغال في المشروع″، مشيرا إلى أن ما يثير الاستغراب فعلا هو تضحية الدولة بخسارة 20 مليون دينار (قرابة 7 ملايين دولار) وهي التكلفة الإجمالية للمشروع. وتابع “الجميع يتحدث عن تعطل الإنتاج في منطقة الحوض المنجمي، لكن عند الحديث عن مشروع واعد مثل هذا لا نجد آذانا صاغية لأسباب لا نعلمها حقيقة ولسنا طرفا فيها”. وحاولت “العرب” الاتصال بوزارة الصناعة لتوضيح تبرير التأخير، إلا أنها لم تتمكن من الحصول على تعليق من أحد المسؤولين لأسباب غير معروفة. ويفسر رفض الوزارة التعليق على الموضوع وفق مراقبين، بأن شيئا ما يطبخ في الكواليس ضمن الدائرة الضيقة للمسؤولين والمهتمين بهذا النوع من المشاريع، وهو ما يزيد التشكيك في أساليب السلطات في التعامل مع الاستثمارات الواعدة التي يمكن إنقاذ البلاد من أزماتها المزمنة. ومع ذلك، وفي حال تمت الموافقة من وزارة الصناعة، سوف يتم تنفيذ المشروع الواعد، الذي تقدر احتياطاته بحوالي 200 مليون طن من الفوسفات الخام على مرحلتين. وستمتد المرحلة الأولى على سبع سنوات بحجم استثمارات يبلغ 200 مليون دينار (قرابة 70 مليون دولار) لإنتاج 750 ألف طن سنويا، على أن يتم استثمار 170 مليون دينار (59 مليون دولار) في المرحلة الثانية لإنتاج نصف مليون طن سنويا. ويتوقع أن ينتج المشروع، الذي ستكون مدة استغلاله خمسة عقود، بعد ذلك نحو 1.5 مليون طن سنويا، على أن يوفر قرابة 500 فرصة عمل مباشرة إلى جانب الآلاف من فرص العمل غير المباشرة. وأكد محمد العابد المشاقي المسؤول المباشر للمشروع في جدليان أن العمل جار والمشاورات مستمرة مع الحكومة وجميع الأطراف المسؤولة لإحراز تقدم في هذا الملف. وقال المشاقي في تصريح لـ”العرب” إن “الأرضية مهيأة وكل الظروف سانحة لمباشرة العمل والدخول في مرحلة الإنتاج، فقط ننتظر قرارا جريئا”. وأثبتت الدراسات أن نوعية الفوسفات في منطقة جدليان من الأنواع الفريدة، التي تستخدم في الصناعات التحويلية.وتقول شركة شقطمة إنها ابتكرت تقنية للاستفادة بشكل أكبر من فوسفات المنطقة أطلقت عليها اسم “تعويم الفوسفات”، وهي خاصة بالنوعية الموجودة بمنجم جدليان ومختلفة عن تلك المعتمدة بمنطقة الحوض المنجمي. وأبدى المجمع الكيميائي التونسي استعداده لتبني عملية الإنتاج، وهو سيكون المشروع الأضخم وسيتيح حركية اقتصادية غير مسبوقة بولاية القصرين في حال إسناد امتياز الاستغلال للشركة شقطمة التي تنتظر منذ سنوات دون معرفة أسباب المماطلة والتأخير. وهذا المشروع ليس الوحيد في رفوف الحكومة، فمنذ أن أعطت السلطات العام الماضي الضوء الأخضر لدراسة العرض الصيني الوحيد الخاص بمنجم سراورتان للفوسفات في ولاية الكاف، لم تظهر أي بوادر حتى اليوم لمنح ترخيص لإطلاق المشروع. واعتبر خبراء أن منجم سراورتان يعدّ من بين الأكبر في العالم، حيث تشير التقديرات إلى أن احتياطاته تبلغ حوالي 10 مليارات طن من الفوسفات. ورغم ما تظهره الحكومة من جهود لإعادة عجلة النمو الاقتصادي للدوران عبر التركيز على القطاعات ذات الإيرادات العالية، من بينها الفوسفات، إلا أن هذه الجهود تتلقى في كل مرة ضربة جديدة بتوقف إنتاج الفوسفات في الحوض المنجمي. ومع تواتر الاحتجاجات الاجتماعية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة وإضرابات العمال تهاوى الإنتاج إلى الثلث مقارنة بعام 2010 حينما كان يساهم بنحو 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. لكنّ أرقاما حديثة لمعهد الإحصاء، أظهرت تضاعف إنتاج الفوسفات على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي مع انحسار الاحتجاجات بمدن الحوض المنجمي. وبلغ مستوى الإنتاج 933 ألف طن في نهاية مارس الماضي، مقارنة مع 419 ألف طن في نفس الفترة من العام الماضي. كما ارتفعت صادرات قطاع المناجم ومشتقاته في الربع الأول من هذا العام بنسبة 76 بالمئة لتبلغ 411 مليون دينار (136 مليون دولار)، مقابل 234 مليون دينار (77.4 مليون دولار) خلال نفس الفترة من العام الماضي. ومن المتوقع أن يساهم مشروع الفوسفات بمنطقة المكناسي بولاية سيدي بوزيد، الذي دخل الإنتاج فعليا قبل أشهر، في توفير 600 ألف طن سنويا. ويعتبر الفوسفات قطاعا حيويا للاقتصاد التونسي ومصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية، ويخضع استغلاله إلى احتكار الدولة، التي عهدت به إلى ذراعها شركة فوسفات قفصة، وهو يوفر أكثر من سبعة آلاف فرصة عمل مباشر. وتقول الحكومة إن ارتفاع صادرات الفوسفات ومشتقاته يسهم في تعزيز احتياطات البلاد، التي تقدر حاليا بنحو 5 مليارات دولار، فضلا عن استقرار سعر صرف الدينار أمام سلة العملات الرئيسية العالمية.

مشاركة :