البيروقراطية وقلة التمويل تقمعان فرص الشركات الناشئة في تونس

  • 8/20/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يجد قطاع الشركات الناشئة في تونس نفسه أمام تحديات وعراقيل كثيرة تحد من انطلاقته على النحو الأمثل مع أنه أضحى أحد المحددات لبناء الاقتصاد وتوفير فرص العمل في ظل الثورة التكنولوجية. ورغم إقرار السلطات لقانون يتعلق بهذه النوعية من الكيانات قبل أربع سنوات لتحفيزها ودعمها وبناء جيل جديد من الأعمال، لكن القطاع لا يزال يتطلع إلى شق طريقه بصعوبة نحو ترسيخ أقدامه في السوق المحلية. ويثير مؤسسو الشركات الناشئة ومدراؤها التنفيذيون تساؤلات بشأن مدى جدواها الاقتصادية وحظوظها في المنافسة محليا والتوسع خارجيا كما فعلت مثلا شركة يسير الجزائرية للنقل التشاركي التي استطاعت في وقت وجيز تنمية أعمالها. كما أن ثمة تجارب عربية أخرى أكثر نجاحا حيث برزت كيانات مثل سويفل المصرية، التي باتت أول شركة ناشئة مدرجة في سوق المال الأميركية، وأصبحت تتوسع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق في آسيا. نزار الباز: المؤسسات الناشئة هي الخيط الوحيد الذي سينقذ الاقتصاد وهناك أيضا شركات مثل كريم الإماراتية وجاهز السعودية التي أصبحت تشق طريقها في ضوء التحول الرقمي الذي بات محددا لنمو الأنشطة التجارية. وفي أبريل 2018، أقر البرلمان قانونا حول الشركات الناشئة (ستارت أب أكت)، في إطار إستراتيجية “تونس الرقمية 2020” لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوسيع البنية التحتية التكنولوجية. ولكن السلطات لم توفر الآليات اللازمة لاستقطاب تلك الشركات وإدماجها في السوق المحلية بهدف معالجة بعض المشاكل الاقتصادية. وفي محاولة لتحفيزها بدأت الحكومة أواخر الشهر الماضي في تقييم فاعلية القانون وسبل تطوير الشركات الناشئة وتقديم دعم أكبر لها من خلال آليات التمويل لزيادة رقم معاملاتها السنوية وللحفاظ على استدامة أعمالها. وتركز أغلب الشركات الناشئة في تونس على التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية والتعليمية والذكاء الاصطناعي وأنظمة البرمجيات التجارية والابتكار مثل كوميلوس الناشئة لتكنولوجيا المياه وكاكو موتورز وغيرها. ومع ذلك يشكو أصحابها من قصور دور الدولة بشأن مشاريعهم بسبب الإجراءات الإدارية المعقّدة وغياب الرقمنة، رغم الإجماع على كونها ستكون من بين الحلول المنقذة للاقتصاد المأزوم. ومن بين هؤلاء نزار الباز مدير تسويق شركة يلا فيد التي تقدم حلولا للتجار لترويج مبيعاتهم عبر الإنترنت، الذي أكد “وجود نقص فادح في المعلومة أو تغييب لها، فضلا عن غياب التمويل وليس على آليات بتكلفة كبيرة”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الشركات الناشئة هي الخيط الوحيد الذي يمكن أن يُخرج البلاد من أزماتها الاقتصادية، وعلينا أن ننهض بطرق تسويق المنتوجات أو الخدمات”. ويطالب الباز بـ”ضرورة الانفتاح على العالم وخلق وظائف جديدة متطورة تواكب العصر الرقمي، والاستفادة من التكنولوجيا الجديدة (مختلف وسائل التواصل الاجتماعي)، وإعطاء حيادية بين التكنولوجيات الجديدة والقطاعات الأخرى”. عزالدين سعيدان: هذه الكيانات تحتاج إلى أن نجعلها تعمل ونمكنها من التمويل وتابع “قطاع التكنولوجيا لم يأخذ حظه حتى الآن، والاقتصاد مستقبلا سيبنى على الشركات الناشئة وليس على قطاعي الزراعة والسياحة”، داعيا “كل شركة لها تطبيق أن تستفيد منه بتسويقه وبيع منتجها”. ويرى خبراء أنه من الضروري أن تشرع تلك الشركات في مزاولة نشاطها، وتوفير مصادر التمويل الممكنة لدفع وتيرة الاستثمار ودعم سوق العمل. ويرى الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان أن الأسباب التي تحول دون احتضان السوق التونسية لهذه الشركات عديدة “من بينها الإدارة وإجراءاتها الطويلة والمضنية، وكثرة التراخيص المطلوبة التي تعيق سير نشاط الشركات”. وقال لـ”العرب” إن “هناك صعوبات في الوصول إلى التمويل ووضع الجهاز البنكي الذي أقرض الدولة والمؤسسات العمومية على حساب الشركات، كما لم تطور الدولة ثقافة التمويل المباشر للشركات الناشئة”. وأردف سعيدان “الشركات ليست في حاجة إلى أن تحتضنها الدولة، بل هي في حاجة إلى أن نجعلها تشتغل ونمكنها من التمويل المناسب”. وتابع “ثمّ عندما تتطوّر يمكن تمويلها بنكيا وكل الشركات الكبرى بدأت كشركات ناشئة أو صغيرة ومتوسّطة، وهي منبت الاستثمارات الكبرى”. وشدد على أنه “في تونس هناك تأخّر في مجال التكنولوجيات الحديثة والإدارة الرقمية، ولم نوفر الظروف اللازمة لتلك الشركات حتى تنشط، والبلدان التي حقّقت نسب نمو مرتفعة، شجّعت الشركات الناشئة بالأساس على غرار عدد من البلدان الأفريقية”. وخلال السنوات الأخيرة تلقت تونس دعما دوليا لتحفيز المناخ الاستثماري وتشجيع رواد الأعمال الشباب على بناء مشاريعهم الخاصة. 247 شركة حققت 22.7 مليون دولار كرقم معاملات في 2020 وفق مركز تونس للشركات الناشئة وأعلن المفوض الأوروبي لسياسة الجوار يوهانز هان خلال زيارة عمل إلى البلاد في 2018، أن الاتحاد الأوروبي خصص حوالي 25 مليون يورو لتمويل ألف شركة ناشئة في تونس. وتحاول تونس رفع نسبة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 30 في المئة في السنوات القادمة، متسلّحة بمؤشرات دولية جعلتها تحتل مركزا متقدما بين خريجي الجامعات. وإلى جانب ذلك تم تصنيفها كأول جهة حيوية أفريقية بحسب تقرير ألماني سابق، ما يؤهلها لتطوير بيئة أعمال الشركات الناشئة. وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة “إنباكت” الألمانية على 7 دول بينها خمس عربية، أن تونس هي الأفضل في وضع الشركات الناشئة يليها الأردن ثم مصر ولبنان والمغرب. وتصدرت تونس قائمة الدول العربية والأفريقية، وحصلت على المركز الثالث والأربعين قياسا بعام 2017 من ضمن 50 بلدا الأكثر ابتكارا في تصنيف عام 2018، على مؤشر وكالة بلومبرغ. وسبق أن منحت وزارة تكنولوجيات المعلومات والاتصال علامات المؤسسة الناشئة بعنوان دورة أكتوبر 2021 لفائدة 23 شركة ناشئة. وأعلنت الوزارة في بيان لها أن العلامات الجديدة التي قام بتسليمها وزير تكنولوجيات الاتصال السابق رفعت العدد الإجمالي للعلامات إلى 607 شركات منذ إطلاق هذا المسار في أبريل 2019. وأشارت بيانات لمركز تونس للشركات الناشئة للعام 2020 أن 247 شركة ناشئة مصرح لها بالنشاط في تونس حققت رقم معاملات في حدود 72 مليون دينار (22.7 مليون دولار)، وهو رقم صغيرا جدا. ووظفت هذه الشركات زهاء 2829 شخصا حتى أبريل 2020، من بينهم مؤسسو هذه الشركات أي أن كل مؤسسة تشغل 11 موظفا.

مشاركة :