تعترض عقبات رئيسة قرار الحكومة الليبية المعترف بها دولياً بيع النفط وتحصيل أمواله بشكل مستقل، تتمثل في صعوبة الحصول على غطاء دولي لهذه الخطوة، بحسب خبراء يشككون في إمكان تحقيقه، أقله على المدى القريب. وتدير قطاع النفط في ليبيا التي تملك أكبر الاحتياطات في افريقيا والمقدرة بنحو 48 بليون برميل، منذ عقود "المؤسسة الوطنية للنفط" في طرابلس، الخاضعة لسيطرة حكومة مناهضة للحكومة المعترف بها، منذ الصيف الماضي. وتتولى المؤسسة الضخمة التي تصر على حياديتها في الصراع الحالي، عمليات الاستكشاف والانتاج وتسويق النفط والغاز داخل وخارج البلاد وإبرام العقود مع الشركات الأجنبية والمحلية. لكن النزاع والسباق على الشرعية دفع الحكومة المعترف بها دولياً في الشرق إلى إعلان فك الارتباط مع المؤسسة الأم وتأسيس مؤسسة بديلة خاضعة لسلطتها في مدينة بنغازي، على بعد حوالي ألف كيلومتر شرق طرابلس. وقال الناطق الرسمي باسم المؤسسة في العاصمة محمد الحراري إن "الأمور الفنية والتقنية إضافة إلى قاعدة البيانات وشبكة العلاقات موجودة جميعها لدى المؤسسة في طرابلس". ويرى الحراري أن ذلك "سيصعب المسألة على المؤسسة المنشأة من الحكومة الموقتة (في الشرق) للعمل، على الأقل على المدى القريب". ومضت الحكومة الموقتة على رغم ذلك، في سعيها إلى الاستقلال نفطياً، إذ طلبت أخيراً من مؤسستها النفطية البدء في التفاوض مع الشركات المتعاقدة مع المؤسسة في العاصمة لنقل تعاقداتها إليها. وكانت الحكومة حذرت الشركات في آذار (مارس) الماضي من الاستمرار في عقودها الحالية مع طرابلس، إلا أن خبراء يشككون في إمكان أن تقدم أية شركة كبرى على ذلك، وخصوصاً في الوقت الحالي في ظل استمرار المعارك على الأرض والصراع على الشرعية. ويرى أستاذ العلوم الاقتصادية الجامعي سليمان ابراهيم انه من الصعب إقناع الشركات النفطية بجدوى نقل التعاقدات إلى شرق البلاد، إذ ان الخبراء والقنوات المعروفة موجودة في طرابلس، وهي تتعامل مع المؤسسة في فرعها الرئيس في العاصمة منذ عشرات السنين. وتابع ابراهيم انه "ليس أمام الحكومة (المعترف بها) من خيارات إلا أن ترضى بالأمر الواقع وتجعل من العقود السابقة مستمرة، وتعرقل أية عقود جديدة"، موضحاً أن "بيعها للنفط من المناطق التي تسيطر عليها لا يمكن أن يتم إلا عبر قنوات غير مشروعة، أو عبر السوق السوداء أو دول أخرى". وعلى رغم ذلك، قال رئيس مجلس إدارة المؤسسة النفطية في بنغازي المبروك بوسيف لـ "وكالة الأنباء الفرنسية"، إن مؤسسته "شرعت في التفاوض مع الشركات المرتبطة بالتزامات وعقود سارية المفعول". وطمأن بوسيف "الشركات والجهات المحلية والأجنبية المرتبطة بعقود واتفاقات مع المؤسسة الوطنية للنفط، باحترام تلك العقود والالتزام بتنفيذها بعد تخطي ومعالجة العقبات والعراقيل". وطلبت الحكومة المعترف بها من مؤسستها النفطية فتح حساب مصرفي في دولة الامارات لتحصيل الأموال النفطية بنفسها في حال انتقلت العقود إليها. وفي الوقت الحالي، يحصل المصرف الخارجي الليبي الأموال النفطية من فروعه في الدول التي تضم شركات متعاقدة مع الدولة الليبية، قبل أن يحولها إلى "المصرف المركزي" ومقره طرابلس. ويكتفي المصرف المركزي، منذ بدء النزاع بين طرفي الأزمة في تموز (يوليو) الماضي بدفع رواتب الموظفين فقط، ولا يقدم أموالاً إلى أي من الحكومتين، بحسب ما يؤكد مسؤولون من الطرفين. ويرى ابراهيم أن خطوة فتح حساب مصرفي مستقل "تعزز الانقسام، وهو ما لا يريده المجتمع الدولي". وتابع: "على الأرجح سيرفض (المجتمع الدولي) حساب الامارات، وسيستمر في التعامل مع مؤسسة طرابلس ويبقي المصرف المركزي على الحياد، حتى ينجح الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة". من جهة أخرى، قال المستشار المالي خالد عبدالله، لدى شركات نفطية محلية إن "المجتمع الدولي لا يزال يتعامل مع المصرف المركزي في طرابلس، ومؤسسة النفط على أنها مؤسسات محايدة"، ما يصعب على الحكومة في الشرق الحصول على غطاء دولي لخطواتها النفطية. وأضاف: "المصرف المركزي في طرابلس يدير حالياً الدولة بالحد الأدنى من المصروفات، ويسيطر على احتياطي قدره 90 بليون دولار، وبالخطوة التي اتخذتها الحكومة (المعترف بها) قد ينحاز المصرف بما في حوزته إلى حكومة طرابلس". وجاء طلب الحكومة الموقتة من مؤسستها التفاوض مع الشركات المتعاقدة وفتح حساب مصرفي جديد، استعداداً لبدء تصدير النفط وتحصيل أمواله، بعد انسحاب القوات الموالية لحكومة طرابلس من منطقة الهلال النفطي في وسط البلاد في 27 آذار الماضي. وتضم منطقة الهلال النفطي الواقعة بين بنغازي وطرابلس، والتي شهدت منذ كانون الأول (ديسمبر) مواجهات أدت إلى تعليق العمل فيها، المخزون الأكبر من النفط إضافة إلى مرافئ "السدرة" و"رأس لانوف" و"البريقة"، مرافئ التصدير الأكبر في ليبيا. وتسيطر الحكومة الموقتة على منطقة الهلال النفطي، لكن غالبية الحقول التي تضخ نفطها إليها تقع في مناطق غربية تسيطر عليها حكومة طرابلس، فيما لا تزال أيضاً تدير عملية الانتاج والتصدير في المنطقة المؤسسة النفطية الأم في العاصمة. وفي مؤشر على الصراع المحتدم بين الحكومتين لتأكيد شرعية كل منهما، أعلن الجانبان أنهما يدرسان الوضع في منطقة الهلال النفطي قبل إعلانها منطقة آمنة ومعاودة العمل فيها. وقال بوسيف: "كلفنا لجنة لتقييم الوضع الأمني في الموانئ والحقول النفطية، وبعد موافاتنا بهذا التقرير سنعلن عن الوضع الأمني في المنطقة". وذكر الحراري ان المؤسسة في طرابلس "تعمل وتقيم الأضرار في الهلال النفطي، وستعلن رفع حالة القوة القاهرة من تلك المنطقة بعد معالجة الأمور الفنية والتقنية".
مشاركة :