تعترض عقبات رئيسية قرار الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، بيع النفط وتحصيل أمواله في شكل مستقل، تتمثل خصوصاً في صعوبة الحصول على غطاء دولي لهذه الخطوة، وفق خبراء يشككون في إمكان تحقق هذا الأمر، أقله على المدى القصير. وتدير قطاع النفط في ليبيا منذ عقود، «المؤسسة الوطنية للنفط» في طرابلس الخاضعة لسيطرة حكومة مناهضة للحكومة المعترف بها، منذ الصيف الماضي. وتتولى المؤسسة، التي تصرّ على حيادها في الصراع الحالي، عمليات الاستكشاف والإنتاج وتسويق النفط والغاز داخل البلاد وخارجها، وإبرام العقود مع الشركات الأجنبية والمحلية. لكن النزاع والسباق على الشرعية دفعا الحكومة المعترف بها دولياً في الشرق، إلى إعلان فك الارتباط مع المؤسسة الأم، وتأسيس مؤسسة بديلة خاضعة لسلطتها في مدينة بنغازي. ويقول الناطق الرسمي باسم المؤسسة في طرابلس، محمد الحراري، في تصريح إلى وكالة «فرانس برس»: «الأمور الفنية والتقنية إضافة إلى قاعدة البيانات وشبكة العلاقات، موجودة كلّها لدى المؤسسة في طرابلس». ويرى أن هذا الأمر «سيصعب المسألة على المؤسسة المنشأة من الحكومة الموقتة للعمل، على الأقل في المدى القريب». ومضت الحكومة الموقتة المعترف بها على رغم ذلك في سعيها الى الاستقلال نفطياً، حيث طلبت أخيراً من مؤسستها النفطية البدء في التفاوض مع الشركات المتعاقدة مع المؤسسة في طرابلس، لنقل تعاقداتها إليها. وكانت هذه الحكومة حذرت الشركات في آذار (مارس)، من الاستمرار في عقودها الحالية مع طرابلس، إلا أن خبراء يشككون في إمكان أن تقدم أية شركة كبرى على هذا الأمر خصوصاً في الوقت الحالي، في ظل استمرار المعارك على الأرض والصراع على الشرعية. ويرى أستاذ العلوم الاقتصادية سليمان إبراهيم، أن من الصعب إقناع الشركات النفطية بجدوى نقل التعاقدات إلى شرق البلاد، إذ إن الخبراء والقنوات المعروفة «موجودون في طرابلس، وهم يتعاملون مع المؤسسة في فرعها الرئيس في العاصمة منذ عشرات السنين». وتابع: «ليس أمام الحكومة المعترف بها من خيارات إلا أن ترضى بالأمر الواقع، وتجعل العقود السابقة مستمرة، وتعرقل أية عقود جديدة»، موضحاً أن بيعها النفط من المناطق التي تسيطر عليها، لا يمكن أن يتم «إلا عبر قنوات غير شرعية أو عبر السوق السوداء، أو عبر دول أخرى». وعلى رغم ذلك، قال رئيس مجلس إدارة المؤسسة النفطية في بنغازي، المبروك بوسيف، في تصريح إلى وكالة «فرانس برس»، إن مؤسسته «شرعت في التفاوض مع الشركات المرتبطة بالتزامات وعقود سارية المفعول». وطمأن «الشركات والجهات المحلية والأجنبية المرتبطة بعقود واتفاقات مع المؤسسة الوطنية للنفط، إلى احترام تلك العقود والالتزام بتنفيذها بعد تخطّي العقبات والعراقيل ومعالجتها». وإلى جانب التفاوض مع هذه الشركات، طلبت الحكومة المعترف بها من مؤسستها النفطية فتح حساب مصرفي في دولة الإمارات، لتحصيل الأموال النفطية في حال انتقلت العقود إليها. وحالياً، يحصّل المصرف الخارجي الليبي الأموال النفطية من فروعه في الدول التي تضمّ شركات متعاقدة مع الدولة الليبية، قبل أن يحوّلها إلى المصرف المركزي ومقرّه طرابلس. ويكتفي المصرف المركزي منذ بدء النزاع بين طرفي الأزمة في تموز (يوليو) الماضي، بدفع رواتب الموظفين، ولا يقدم أموالاً لأي من الحكومتين، وفق مسؤولين من الطرفين. ويرى ابراهيم أن خطوة فتح حساب مصرفي مستقلّ «تعزز الانقسام، ما لا يريده المجتمع الدولي». ويتابع: «على الأرجح، المجتمع الدولي سيرفض حساب الإمارات، وسيستمر في التعامل مع مؤسسة طرابلس، ويبقي المصرف المركزي على حياد، حتى ينجح الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة». ويقول المستشار المالي لدى شركات نفطية محلية، خالد عبدالله: «المجتمع الدولي لا يزال يتعامل مع المصرف المركزي في طرابلس وكذلك مؤسسة النفط، على أنهما مؤسسات محايدة»، ما يصعّب على الحكومة في الشرق الحصول على غطاء دولي لخطواتها النفطية. ويضيف: «المصرف المركزي في طرابلس يدير حالياً الدولة بالحد الأدنى من المصاريف، ويسيطر على احتياط قدره 90 بليون دولار، وبالخطوة التي اتخذتها الحكومة المعترف بها قد ينحاز المصرف بما في حوزته إلى حكومة طرابلس». وجاء طلب الحكومة الموقتة من مؤسستها التفاوض مع الشركات المتعاقدة وفتح حساب مصرفي جديد، استعداداً لبدء تصدير النفط وتحصيل أمواله، بعد انسحاب القوات الموالية لحكومة طرابلس من منطقة الهلال النفطي في وسط البلاد في 27 آذار. وتضمّ المنطقة المخزون الأكبر من النفط إضافة إلى مرافئ السدرة ورأس لانوف والبريقة، وهي الأكبر في ليبيا. وتسيطر الحكومة الموقتة على هذه المنطقة، ولكن غالبية الحقول التي تضخّ نفطها إليها تقع في مناطق غربية تسيطر عليها حكومة طرابلس، فيما لا تزال المؤسسة النفطية الأم في طرابلس تدير أيضاً عملية الإنتاج والتصدير في هذه المنطقة. وفي مؤشّر الى الصراع المحتدم بين الحكومتين، أعلن الجانبان أنهما يدرسان الوضع في منطقة الهلال النفطي قبل إعلانها منطقة آمنة واستئناف العمل فيها. وقال بوسيف: «كلّفنا لجنة لتقويم الوضع الأمني في الموانئ والحقول النفطية، وبعد موافاتنا بهذا التقرير سنعلن عن الوضع الأمني في المنطقة». وقال الحراري إن المؤسسة في طرابلس «تعمل وتقوّم الأضرار في الهلال النفطي، وستعلن رفع حال القوة القاهرة من تلك المنطقة بعد معالجة الأمور الفنية والتقنية».
مشاركة :