"من يسرق كتباً، أو يحتفظ بكتب كان قد استعارها، عسى أن يتحول الكتاب الموجود في يده إلى أفعى رقطاء، وعسى أن يصاب بشلل ارتجافي قاهر وأن تشل جميع أطرافه، عسى أن يصرخ عاليا طالبا الرحمة، وعسى ألا تنقطع آلامه إلى أن يتحول إلى رمة متفسخة، وأن تعشش الديدان في أحشائه مثل دود الموتى الذي لا يفنى. وعندما يمثل يوم الدين تلتهمه نار جهنم إلى الأبد...". هذا التحذير معلق في مكتبة دير سان بدرو في برشلونة. كما جاء في كتاب تاريخ القراءة آلبرتو مانغويل. وقد ذكر في هذا الكتاب قصة دوق ليبري مع سرقة نوادر الكتب من المكتبات العامة في فرنسا، كما مر عليّ في كتاب آخر عن جان جينيه، وكيف أنه كان يسرق الكتب من المكتبات العامة ومن ثم يعرضها للبيع على رصيف نهر السين. إن التعرض للكتاب بالسرقة أو التدمير كان شغلاً شاغلاً لعشاق الكتب حتى يقال إن البابا في القرون الوسطى جرم السارق كنسيا. وقد كنت أستغرب وفرة مخطوطة بعينها مجهولة المؤلف إلا أننا نجدها في أغلب خزائن الكتب سواء كانت في الشام أو في العراق أو تركيا أو في مصر، وهذه المخطوطة تتناول أسماء من شارك في غزوة بدر الكبرى! حتى اطلعت على كتاب التحفة المسكية في الرحلة المكية لعلامة العراق عبدالله السويدي فقد جاء في هذا الكتاب أن السويدي كان يصطحب معه في أسفاره أسماء أهل بدر، وذلك لأنه كان يعتقد أن اصطحاب هذه المخطوطة تحفظ صاحبها من أي ضرر وتحفظ المكان الذي توجد فيه؛ لهذا حرص أصحاب المكتبات وخزائن الكتب على وجود هذه المخطوطة بين كتبهم. وقد وجدت أن الكثير من المتقدمين قد وضعوا التحويطات والرموز على الكتب لحفظها من التلف ومن السرقة مثل قولهم "يا كبيكلج احفظ الكتاب"، أو يكتبون كلمة بدوح، وهو ما يسمى عند أهل الوراقة بالتحويطة. وقد اختلف العلماء قديماً في حكم سرقة الكتاب فأجاز ذلك بعض العلماء بذريعة طلب العلم وأن متملك الكتاب الرافض لإعارته يأثم لكتمانه العلم على طالبه. وقال المانعون من سرقة الكتاب إن الكتاب مملوك لشخص بعينه فلا يجوز المساس بحقه في ملكه. وقد قال المتقدمون من حكم في ماله فما ظلم. وقد وجدت أناسا في التراث يقطعون ورقة من الكتاب وينزعونها منه لكي يتضرر سعر الكتاب بعد ذلك حال طلبه. وعرفت أناسا يفتخرون بسرقة الكتب من معارض الكتاب ويبررون ذلك بأن الكتاب غالٍ، وأنه بحاجة إليه لهذا فهم يسرقون بذريعة الاحتياج. ولاحظت من خلال سلوك المجموعة التي تسرق الكتب أنها تتكون من عدة فئات، الفئة الأولى: يسرقون الكتاب لسبب مرضي، والفئة الثانية، وهي قليلة، يسرقون الكتاب فعلا لحاجتهم إليه مع عدم القدرة على شرائه. وأما المجموعة الثالثة فهي تسرق الكتاب محاكاة وتقليدا للمجموعة الثانية. وأنا أعلم أن هذه المجموعة، وإن حسبت على المثقفين، إلا أنهم قليلو الاطلاع والقراءة!
مشاركة :