ملاعب الفرجان وذاكرة المكان

  • 7/5/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

جذبتنا مبادرة شيخ الشباب ناصر بن حمد في احياء وتطوير فكرة ملاعب الفرجان في مشروع عصري جديد، واعادت فينا نحن الجيل المخضرم ولن نقول «الشياب» ذاكرة الزمن الجميل فتحركت ذاكرة المكان أو بقايا الذاكرة إلى أماكن كانت لنا ملاعبا ايام الصبا والطفولة. تلك كانت ملاعبا ساخنة شهدت مباريات وصخبًا بريئًا ما بين لاعبين متحمسين ومشجعين اتخذوا من «الجدران صفوفا تطول على الجانبين». ورحم الله بوراشد ذلك الشيخ الطاعن في السن الذي كان يقف على ناصية الطريق ليشاهد جزءا من مباراة صغار الفريج على «بستوك» بسكويت لا تتعدى قيمته وقتها الثلاث مئة فلس في أحسن الاحوال، وكنا نتشارك في دفع قيمته حسب قسمه على اللاعبين الصغار، وكثيرًا ما كان الفريق المهزوم يخطف «البستوك» ويفر به في دواعيس الفريج ونجلس لنعزي انفسنا  بالقول المأثور «المهم النتيجة»! وكانت ملاعب الفرجان مصانع فعلا تخرج منها لاعبون معروفون من جيلنا والاجيال التي سبقتنا، جميعهم كانت بداياتهم ملاعب الفرجان وساحاتها الضيقة ودواعيسها التي بالكاد كان «السيكل» يمر منها، لكنها كانت تتسع لمباريات الصغار وصخبهم وتبرز مواهبهم. بالطبع لم نكن نملك ميزانية لنشتري «قمصانا» خاصة نسميها «شيرتات» ولان الحاجة ام الاختراع فلقد بحثنا عن ذلك «الصبغ» الرخيص الثمن جدا والذي كان عبارة عن «بودرة» في ظرف ومغلف بمقوى تشتريه بعد ان نتشارك ويجلب او يحضر كل فرد فينا من الاطفال «فانيلة» بيضاء من بيتهم لنضعها في خلطة ذلك «الصبغ» فتصبح حمراء أو صفراء أو خضراء لتكون «شيرت» «الفريق.. فريق الفريج»! أما الاسماء فحسب مزاج الطفولة والتأثر بالقوة، فريق الاسود فريق النمور وفريق الوحوش، وهكذا اسماء فرق فرجاننا تدور في إطار القوة والبأس، وهكذا هي الثقافة العربية القديمة وهكذا كان مأثورنا القديم ايضا. وكان المرمى عبارة عن حجرتين كبيرتين من حجارة الطريق وكان المرمى بلا سقف، لكننا استخدمنا التقدير بالنظر فإذا كانت الكرة عالية فلتنا «ما يطال الحارس» فتعتبر «أوت» او خارج الملعب، وكان حكم المباراة وهو طفل صغير من أعمارنا معرضا لكافة احتمالات الاعتداء والضرب ناهيك عن الشتم، لذا قلما كنا نجد من يقبل ان يكون حكما في ملاعب الفريج خوفا وخشية من المصير الذي ينتظره من الفريق المهزوم خصوصا لما نرفع شيلة «حكم شفاف» وندور وراءه من داعوس الى داعوس. تلك أيام وتلك ملاعب وتلك فرجان كانت غنية بالتآلف والتعارف وبتعميق العلاقات التي أسهمت فيها ملاعب فرجان الاحياء القديمة، حيث عمقت وجذرت تلك العلاقات ومازالت ممتدة إلى اليوم. وعندما شب الفتيان عن الطوق خرجنا إلى برايح الفريج لنلعب في ملاعب اوسع من الدواعيس والازقة، وهناك في تلك البرايح بوصفها ملاعب لنا لكرة القدم برزت المواهب الاولى للاعبين كبار عرفتهم فيما بعد أنديتنا الكبيرة، وكانوا نجوما لا يشق لهم غبار في اللعبة. وعلى قدر امكانيتنا شبه المعدومة وبوعي حماسي استطعنا ان نقيم في تلك البرايح بوصفها ملاعب، مهرجانات لاكثر من لعبة، نستطيع ان نقول مهرجانات لالعاب القوى مثل الجري ورمي القلة والقفز العالي والقفز العرض. ومن الجانب الاجتماعي والتربوي استطاعت ملاعب الفرجان في أزقتنا او «برايح لول» ان تلم شملنا فتحفظنا عن الضياع وما يسمى شعبيا بـ«الهيته» او بالادق حضنتنا عن الانحراف في سن صغرة معرضة بجهلها إلى ذلك. ملاعب الفريج نقضي فيها فترة العصر وصباحات الاجازات والعطلات فنكون اقرب إلى بيوتنا ومراقبة أهلنا وهي تجمع كل الاطفال والفتية في حدود واحدة. ومازلنا نشتاق بحنين لا يوصف إلى تلك الاماكن التي تأخذنا إليها احيانا ارجلنا فنذهب هناك إلى تلك الفرجان لعلنا نعثر على شيء منها لكننا لا نجد وقد تبدل الحال، لكنه الحنين للأيام الجميلة.

مشاركة :