تحل اليوم الجمعة، الموافق 5 من يوليو 2019، الذكرى الحادية والثمانين على ميلاد "فارس القراء في مصر، وأفلاطون النغم القرآني، ومعلم الأجيال، الشاويش المقرئ الشيخ راغب مصطفى غلوش.ولد "غلوش" في مثل هذا اليوم لعام 1938، بقرية برما، التابعة لمدينة طنطا بمحافظة الغربية، أراد والده أن يلحقه بالتعليم الأساسي ليكون موظفًا كبيرًا، وكانت الكتاتيب كثيرة بالقرية والإقبال عليها ملحوظ وملموس، وكان الناس في ذلك الوقت يهتمون بتحفيظ أبنائهم القرآن ليكونوا علماء بالأزهر الشريف، لأن كلمة (عالم) لا تطلق في نظرهم إلا على رجل الدين وخاصة إمام المسجد الذي يلقي خطبة الجمعة، فأشار عليه أحد أقاربه بأن يأخذه ويعهد به لأحد المشايخ المحفظين لكي يحفظه القرآن، فوافق على هذه الفكرة وصرح لابنه راغب بالذهاب إلى الكُتاب بعد انتهاء اليوم الدراسي، لكن الموهبة أعلنت عن نفسها فكان الطفل الصغير ابن الثامنة حديث أهل القرية وخاصة المحفظين والحفظة.فلما بلغ الرابعة عشرة ذاع صيته بالقرى المجاورة وطنطا معقل العلماء وتوالت عليه الدعوات من القرى والمدن القريبة من قريته وفي شهر رمضان 1953 قرأ بقرية محلة القصب بمحافظة كفر الشيخ، وتوّلاه الشيخ إبراهيم الطبليهي وكان عمره 15 سنة وتلقى عليه علمي التجويد والقراءات بالمسجد الأحمدي وأهله ليكون قارئا للقرآن كل يوم بالمسجد الأحمدي بين أذان العصر والإقامة، فالتف الكثيرون حول غلوش.فُرصة العمراستطاع فارس القراء، أن يحقق شهرة قبل بلوغه الثامنة عشرة، ثم التحق بالخدمة العسكرية 1958 بمركز تدريب الأمن المركزي، ولأنها تقع بالدراسة فكان كثيرًا ما يتردد على مسجد الإمام الحسين وتطلع لأن يقرأ ولو آية واحدة بأكبر مساجد مصر والقاهرة وأشهرها وقدم نفسه للمسئولين عن المسجد وتمني عليهم أن يقرأ عشرًا أو يرفع الأذان.تعرف "غلوش" إلى شيخ المسجد الشيخ حلمي عرفة وقرأ أمامه ما تيسر من القرآن فأعجب به جدًا وقال له عرفة: إذا تأخر الشيخ طه الفشني فسيتم منحك فرصة رفع أذان العصر، وقراءة العشر، وبالفعل تأخر"الفشني"، وبعد أن انتهي الشيخ محمد الغزالي من إلقاء الدرس مع حلول موعد أذان العصر رفع "غلوش" الأذان وهو يرتدي الزي العسكري مما لفت أنظار الناس إليه، ثم قرأ العشر فاستحسن المصلون تلاوته والتي امتدت لأكثر من نصف ساعة.شاويش ومقرئلما علم قائد المعسكر بالأمر سلمه مسجد المعسكر كمسئول عنه طوال مدة خدمته، بل وكان يسمح له بالخروج ليتردد على مسجد الحسين مما جلب له الشهرة في مسجد يقرأ السورة به المرحوم الشيخ محمود خليل الحصري، ويؤذن به المرحوم الشيخ طه الفشني، ويلقي الدرس به والخطبة الشيخ محمد الغزالي.يقول "غلوش": بعد ذلك انشغلت بإنهاء إجراءات تسليم مهماتي إخلاء طرفي من بلوكات الأمن بانتهاء مدة تجنيدي التي لم يتبق منها إلا عشرون يومًا قمت بعدها بالحصول على شهادة تأدية الخدمة الوطنية، وأقيم لنا حفل بسيط في الوحدة أنا وزملائي الذين كانوا معي في التجنيد، لم أنس النتيجة النهائية لاعتمادي قارئًا بالإذاعة، ولم أتوقع ظهور النتيجة قبل شهرين أو ثلاثة على الأقل ولكنها ظهرت أثناء إنهائي إجراءات الخروج من الخدمة الوطنية بالأمن المركزي ولم أعلم إلا من هذا الموقف ( شاويش يدخل الإذاعة ).ويضيف: "حصلت على شهادة إنهاء الخدمة وذهبت إلى بلدتي ( برما ) فوجدت ما لم أتوقع قابلني أهل القرية مقابلة غريبة عليَّ الفرحة والسعادة تعمرهم ويقولون لي ألف مبروك يا راغب واحتضنونني وكادوا يحملونني على أعناقهم كل هذا وأنا غير مصدق لما يحدث فقلت لهم: هو انتم عمركم ما شفتم عسكري خرج من الخدمة إلا أنا إيه الحكاية ؟ فقالوا هو أنت ما سمعتش الخبر السعيد ؟ فقلت لهم: وما هو الخبر السعيد ؟ قالوا: صورتك واسمك في كل الجرايد بالخط العريض ). ( شاويش ومقرىء) وسبحان الله الذي ثبت فؤادي وألهمني الصبر وتحمل هذا الخبر السعيد جدًا جدًا والذي جاء في وقته، وكأنه كان مكافأة إنهاء خدمتي الوطنية عام 1962م".وتابع: "كان خبرًا قويًا وشديدًا يحتاج إلى عقل وصبر جميل لعدم الإفراط في الفرحة حتى لا تأتي بنتيجة عكسية ولما لا تكون فرحة كبرى وأنا في هذه السن التي لا تتعدى اثنتين وعشرين عامًا وسأكون أصغر قارئ بالإذاعة في عصرها الذهبي وذلك عام 1962م".الحسين إنطلاقة أخرىوفي مسجد الحسين أيضًا حقق انطلاقة أخرى فقد تعرف فيه إلى كبار المسئولين بالدولة وتقرب منهم وشجعوه على القراءة أمام الجماهير ليزيل الرهبة من نفسه، وكانوا وراء الدعوات التي وجهت إليه لإحياء مآتم ومناسبات بالقاهرة زامل فيها مشاهير القراء بالإذاعة أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ محمود خليل الحصري وغيرهم، وكان من بين رواد المسجد الحسيني محمد أمين حماد مدير الإذاعة الذي منحه الفرصة للخضوع لاختبار لجنة القراءة في الإذاعة وذلك قبل إنهائه الخدمة العسكرية بشهر.قارئ بالإذاعة المصريةتم اختبار الشيخ الراحل مع حوالي 160 قارئًا وكانت اللجنة مكونة من كبار العلماء كالدكتور محمد أبو زهرة، والشيخ السنوسي، والدكتور عبدالله ماضي لجنة الصوت مكونة من محمود حسن إسماعيل الشاعر المعروف، وحسني الحديدي الإذاعي القدير، ومحمد حسن الشجاعي، والدكتور أبو زهرة.وأثنى عليه أعضاء اللجنة وكان ضمن السبعة الناجحين من مائة وستين قارئًا وبعد التصفية وبعد إنهائه إجراءات الخروج من الخدمة العسكرية تم قبوله قارئًا بالإذاعة في 1962.جولاته الخارجيةسافر"غلوش" إلى معظم دول العالم ومنها إيران، كل شهر رمضان على مدار 30 عاما متتالية وقام بتأدية الأذان الشيعي بإيران، وقد وجهت إليه الدعوات من دول عربية لإحياء المناسبات الرسمية وخاصة في الكويت والإمارات والسعودية في السنوات الأخيرة فضل البقاء في مصر في شهر رمضان المبارك، وله تسجيل مرتل يذاع بإذاعات دول الخليج العربي.رحيلهظل فارس القراء يتلو قرآن الفجر مرة كل شهر بأشهر مساجد مصر، فضلًا عن تلاوته لقرآن الجمعة والمناسبات الدينية عبر موجات الإذاعة وشاشات التليفزيون، إلى أن توفى في 4 فبراير 2016 عن عمر ناهز 77 سنة.
مشاركة :