الشيخ عبدالله المناعي: ضرورة حماية شبابنا وبناتنا من التيارات والأفكار الضالة المنحرفة

  • 7/6/2019
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

تحدث فضيلة الشيخ عبدالله المناعي في خطبته ليوم الجمعة أمس في جامع الخالد بالمنامة عن كيفية الاستفادة من الإجازة الصيفية، قائلا: إنَّ أعظم ما تتميَّز به هذه الإجازات الفراغ، وهذا الفراغ سلاح ذو حدَّين، إنِ استعمل فيما ينفع أو فيما يباح، عادَ على صاحبه بالخيرات، وإن قُضِي هذا الفراغ فيما يحرم ويضرُّ، صار على صاحبه حسرات، وعاد عليه بالمضرَّات. وأضاف أن الفراغ وطرق اغتنامه قضيَّة عظيمة، يجب ألا يُستهان بها، وألا يغفل عنها، ولا أدلَّ على ذلك من إشارة المولى إليْه في كتابِه، وحرص النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأمره باغتنامه وحثِّه على استغلاله؛ يقول جلَّ وعلا: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الشرح: 7. 8]، ويقول النبي صلَّى الله عليه واله وسلَّم: «اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتَك قبل موتك، وصحَّتك قبل سقمك، وفراغك قبل شُغلك، وشبابك قبل هَرَمِك، وغناك قبل فقرك». وأشار إلى أنَّ الإسلام دين صالح للواقع والحياة، يعامل الناس على أنَّهم بشر تحتاج أنفسُهم شيئًا من التَّرويح واللهو المنضبِط بضوابط الإسلام، فهو لم يَفترض فيهم أن يكون كلُّ كلامِهم ذكرًا، وكلّ شرودهم فكرًا، وكل تأمُّلاتهم عبرة، وكل فراغهم عبادة، بل وسَّع لهم في التَّعامل مع كل ما تتطلَّبه الفطرة البشرية السليمة من فرح وترح، وضحك وبكاء، ولهْو ومرح في حدود ما شرعه الله تعالى، ولقد كان واقع النَّبيِّ صلَّى الله عليه واله وسلَّم والصَّحابة يؤكِّد أحقِّية جانب المرح والتَّرفيه في حياة الإنسان؛ يقول سماك بن حرب: قلتُ لجابر بن سمرة رضي الله عنه: كنتَ تجالس رسولَ الله صلى الله عليه واله وسلَّم؟ قال: «نعم، كان طويل الصَّمت، وكان أصحابه يتناشدون الشعر عنده، ويذْكرون أشياء من أمر الجاهلية، ويضحكون فيتبسِم معهم إذا ضحكوا»؛ رواه مسلم. وأخرج البخاري في «الأدب المفرد» عن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال: «لَم يكن أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه واله وسلَّم منحرفين، ولا متماوتين، وكانوا يناشدون الأشعار في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليَّتهم، فإذا أريد أحدُهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه». وذكر ابن عبدالبر عن أبي الدرداء رضِي الله عنه قال: «إني لأستجمُّ نفسي بالشيء من اللَّهو غير المحرم، فيكون أقوى لها على الحقِّ»، ويقول ابن الجوْزي رحمه الله: «ولقد رأيت الإنسان قد حمل من التكاليف أمورًا صعبة، ومن أثقل ما حمل مداراة نفسه وتكليفها الصَّبر عمَّا تحب وعلى ما تكره، فرأيت الصَّواب قطْع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس..، وفي كلام له أيضًا يقول - رحِمه الله -: فينبغي قطْع الطريق بألْطف ممكن، وأخْذ الرَّاحة للجِدِّ جِدّ، وغوْص السَّابح في طلب الدُّر صعود، ومن أراد التلطُّف بالنفس فلينظر في سيرة الرَّسول صلَّى الله عليه واله وسلَّم فإنَّه كان يتلطف بنفسه، ويُمازح ويخالط الناس، ويَختار المستحسنات، ويختار الماء البارد والأوْفق من المطاعم». اهـ. واستطرد قائلا: لقدِ اتَّسع مفهوم الإجازة عند البعض ليشمل إعطاء النفس الرَّاحة حتَّى من عبادة خالقها، وإفلاتها من أخلاقها، فأضْحت الإجازة عندهم محصورة في التجوُّل في البلدان والمصائف، والتخلُّص من المثل والقيم، والتفريط في الصَّلوات والعكوف على ألوان الملاهي والشهوات، وهم مع ذلك لا يجدون لذَّة للإجازة ولا متعة للفراغ، وهذا مصداق لتلك الدِّراسات والتقارير التي تكشف أنَّ أكثر النَّاس إصابة بالأمراض النفسيَّة هم المنفتحون على كل شيء، والمشاهدون لكلِّ شيء، والمستمعون لكلِّ لغو، والمتخفِّفون من تكاليف الشرع، فلم تزِدْهم تلك الغفلة والمؤانسة المنحرفة إلاَّ همًّا وكمدًا. وشدد على أن الاغتنام الأمثل لأيام الإجازة الصيفيَّة يبدأ أوَّلاً بتحديد الأهداف والأعمال التي يرغب في تنفيذها، ثم العمل على إيجاد الوسائل المناسبة لتنفيذ وأداء تلك الأهداف، ومن ثَمَّ تقييم العمل بعد الفراغ منه، وكلَّما كان الهدف خيرًا، والوسيلة صالحة، والتقييم دقيقًا، كلَّما تحقَّقت النَتائج بشكل أفضل، وأوْرثت صاحب الهدف أنسًا وسعادة، يحسُّ بها في الدنيا ويجد جزاءَها يوم يلقى ربه، حين لا ينفع مال ولا بنون إلاَّ مَن أتى الله بقلب سليم. وأوضح أن ما يُحمَد لبلادنا ومملكتنا العزيزة ما تقوم به بعض الجهات الرسمية، وبعض مؤسسات المجتمع، من برامج وفعاليات تساعِد الآباء والأمَّهات في شغل أوقات فراغ أبنائهم بما يعود عليهم بالفائدة والمتعة، فهناك الدَّورات العلميَّة في مختلف التخصصات، وهناك دورات لحفظ كتاب الله ومراجعته وإتْقانه، وهناك دورات ومعاهد إسلامية لحِفْظ الصحيح من سنَّة محمَّد صلَّى الله عليْه وآله وسلَّم وما دوَّنه علماء الأمَّة من متون علميَّة متخصصة، وهناك نجِد النوادي الصيفيَّة التي تحتوي الشباب والشابات فتصقل مواهبهم، وتحفظ أوقاتَهم، وتعلمهم وتربِّيهم، فجزى الله أولئك العاملين الباذلين أنفسهم وأوقاتَهم من أجل أبناء المسلمين كلَّ خير، وجعل ما يقدمونه في ميزان حسناتهم، إنَّه سميع مجيب. أيُّها الآباء: فكِّروا في واقع أبنائكم ومستقْبلهم ماذا خبأتُم لهم، وماذا أعددتُم لأجلهم في هذه الإجازة؟ هل هو النُّور والشرف؟ أم هو الإهمال والتَّلف؟ وتذكَّروا جميعًا قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته». إِذَا أَنْتَ لَمْ تَزْرَعْ وَأَبْصَرْتَ حَاصِدًا.. نَدِمْتَ عَلَى التَّفْرِيطِ فِي زَمَنِ البَذْرِ وقال: لقد ظهرت في الأزمنة الأخيرة فتنٌ وشرور لا يعلم مداها إلا الله، ومن ذلك فتنة الذين خرجوا على أمة الإسلام يضربون فيها البرّ والفاجر، ويقذفون المسلمين بما ليس فيهم، لقد قاموا بتدمير المنشآت، وقتل الأنفس البريئة، وترويع الآمنين، ومكنوا لأعداء الملة والدين من أن يسلطوا ألسنتهم وأقلامهم على أهل الدين والمتمسكين به، إن هؤلاء الذين خرجوا عن إجماع الأمة، وانتهجوا نهج الخوارج القُدامى يتضح للجميع خطورة ما هم عليه من صفات سيِّئة؛ حتى لا يَفتتن بهم مَنْ ليس عنده قدر من الباطل، ولقد بيَّن لنا رسولنا شيئًا من العلم؛ حيث قال صلَّى الله عليه واله وسلَّم: «يخرجُ قومٌ في آخر الزمان؛ أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة»؛ رواه البخاري، ومسلم. حين يأخذ الوالد بيد أولاده نحو هذه القضايا الإيمانية الثابتة، وتنصب في ذهنهم وفكرهم بالأدلة الراسخة، فلا تستطيع معاول الهدم أن تنال من قلوبهم العامرة بالإيمان، ولا يمكن لدعاة السوء أن يؤثروا عليهم، ولا يقدر إنسان أن يزعزع نفسيتهم المؤمنة؛ لما وصل إليهم من إيمان ثابت، ويقين راسخ، وقناعة كاملة، والنصوص الدالة على هذه العقيدة الصحيحة من الكتاب والسنة كثيرة جدًّا ولو استطاع الوالد أن يعلم أولاده بعضًا منها؛ كي تتعلق في ذهنهم، وتأخذ بلباب قلوبهم، فقد استطاع أن يثبتهم على الطريق الصحيح. أن يغرس في نفوسهم روح الخشوع والتقوى والعبودية لله ربِّ العالمين، وذلك عن طريق الآيات الدالة على عظمة الله وقدرته، وإحاطته بجميع مخلوقاته، وعلمه المحيط بمكنون قلوبهم، وذلك عن طريق تعليمهم القرآن الكريم والخشوع عند سماعه، وتدبر آياته وعظاته وتوجيهاته، فإذا وصلت إليهم هذه المعاني، رسخت التقوى في قلوبهم، وصاروا مرتبطين بربهم لا يحيدون عن أوامره ونواهيه طرفة عين. متابعتهم والحرص عليهم ممن يسممون أفكارهم، وينحرفون بهم عن الجادة والوسطية، وعدم ترك الحبل على الغارب لهم، يذهبون أينما شاءوا ومع مَن شاءوا، بل لا بد من معرفة من يخرجون معهم، وهل هذه الصحبة ممن يُستأمنون عليهم إذا كانوا معهم أو لا؟ ولا بد من توضيح فكر هذه الفئة وتحديد منهجها؛ لكي لا يقعوا فريسة لأفكارهم البعيدة عن المنهج السوي. فكل هذه الأسباب وغيرها مُعِينَة بعد الله في حماية شبابنا وبناتنا من التيارات الواردة والأفكار الضالة المنحرفة، فالأعداء يتربصون بهم كل متربص؛ ليصرفوهم عن صراط الله المستقيم. وقال إن بلادنا ولله الحمد وهي تحظى بقيادة مؤمنة واعية تحرص على الخير وتزرعه في طول البلاد وعرضها، وترفع شعار المحبة والتسامح لجميع الفئات والحفاظ على القيم الإسلامية، وتفاخر به في كل المنتديات والمؤتمرات، بل تحرص على تعليم شبابنا وبناتنا كل خير، إن هذه القيادة الواعية بحاجة إلى الدعاء والمساندة، والتعاون معها في حماية هذه البلاد من مزالق الشياطين، ومن عبث العابثين، وذلك بتنمية حب الوطن وأهله في نفوس شبابنا وبناتنا؛ لبذل الجهد من أجل إعلاء مكانة هذه البلاد العزيزة الفتية التي تفتخر بشبابها ورجالها المخلصين في ظل المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد المفدى.

مشاركة :